مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنۡهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ} (88)

{ قَالَ ياقوم أَرَءيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى وَرَزَقَنِى مِنْهُ } من لدنه { رِزْقًا حَسَنًا } يعني النبوة والرسالة أو مالاً حلالاً من غير بخس وتطفيف . وجواب أرأيتم محذوف أي أخبروني إن كنت على حجة واضحة من ربي وكنت نبياً على الحقيقة ، أيصح لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي ، والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك ؟ يقال : خالفني فلان إلى كذا إذا قصده وأنت مول عنه وخالفني عنه إذا ولى عنه وأنت قاصده . ويلقاك الرجل صادراً عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول : خالفني إلى الماء يريد ، أنه قد ذهب إليه وارداً وأنا ذاهب عنه صادراً ، ومنه قوله : { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَلِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } يعني أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإصلاح } ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتي ونصيحتي وأمري بالمعروف ونهي عن المنكر { مَا استطعت } ظرف أي مدة استطاعتي للإصلاح وما دمت متمكناً منه لا آلو فيه جهداً { وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بالله } وما كوني موفقاً لإصابة الحق فيما آتى وآذر إلا بمعونته وتأييده { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } اعتمدت { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أرجع في السراء والضرآء . «جرم » مثل «كسب » في تعديه إلى مفعول واحد وإلى مفعولين ومنه قوله :