تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنۡهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ} (88)

وقوله تعالى : ( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ) أي على علم وبيان وحجج وبرهان من ربي : أي تعلمون أني كنت على بيان من ربي وحجج ( ورزقني منه رزقا حسنا ) يحتمل هذا منه ما كان ما قال [ ذلك النبي صالح ][ في الأصل وم : أولئك الأنبياء ] ( وآتاني رحمة من عنده )[ الآية : 28 ] أي قال : هو رزقني رزقا حسنا الدين والهدى والنبوة على ما ذكرنا . وأمكن أن يكون الرزق الحسن هو الأموال الحلال الطيبة التي لا تبعة عليه [ فيها ][ ساقطة من الأصل وم ] فقال ذلك ، وما رزق أولئك عليهم تبعة في ذلك لأنهم اكتسبوها من وجه لا يحل .

[ وقوله تعالى ][ من م ، ساقطة من الأصل ] : ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ) من الناس من يقول : قال لهم ذلك بإزاء ما قالوا في ما ذكر في الأعراف ( لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا )[ الأية : 88 ] يقول : أدعوكم إلى الإيمان وأنهاكم عن الكفر به ، ثم أرتكب ما أنهاكم عنه ، وأترك ما أدعوكم إليه .

وقال قتادة لم أكن أنهاكم عن أمر ، وأركبه ، وهو واحد ( إن أريد إلا الإصلاح ) وفيه دلالة أن الاستطاعة تكون مع الفعل ، لا تخلو ؛ إما أن يكون أراد استطاعة الإرادة أو استطاعة الفعل ، فكيف ما كان ، فقد أخبر أنه يريد لهم من الصلاح ما استطاع ، ففيه ما ذكر .

وهو ينقض على المعتزلة مذهبهم لأنهم يقولون : الاستطاعة تتقدم على الفعل ، وهي لا تبقى وقتين ، فيصير قولهم إرادة الصلاح لهم بما عدم من الاستطاعة .

وقوله تعالى : ( وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ ) قال بعضهم : والتوفيق هو صفة كل مطيع ، والخذلان هو صفة كل عاص . وقال بعضهم التوفيق هو ما يوافق قوله فعله في الطاعة ، والخذلان هو ما يفرق بين قوله وفعله في المعصية .

وقال الحسين النجار : التوفيق هو قدرة كل خير وطاعة ، والخذلان هو قدرة كل شر ومعصية .

وعندنا : التوفيق هو أن يوفق بين عمل الخير والاستطاعة ، والخذلان هو أن يفرق بين عمل الخير و الاستطاعة ، أو أن يقول هو أن يوفق بين عمل الشر والاستطاعة ، وهما واحد .

وقوله تعالى : ( عليه توكلت ) أي عليه اعتمدت في جميع أمري ( وإليه أنيب ) أي أرجع ، أو يقول : إليه أقبل بالطاعة .