فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنۡهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ} (88)

وجملة : { قَالَ يَا قَوْم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيّنَةٍ من ربّى } مستأنفة كالجمل التي قبلها . والمعنى : أخبروني إن كنت على حجة واضحة من عند ربي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه { وَرَزَقَنِي مِنْهُ } أي من فضله وخزائن ملكه { رِزْقًا حَسَنًا } أي : كثيراً واسعاً حلالاً طيباً ، وقد كان عليه السلام كثير المال . وقيل : أراد بالرزق : النبوّة . وقيل : الحكمة ، وقيل : العلم . وقيل : التوفيق ، وجواب الشرط محذوف يدلّ عليه سياق الكلام تقديره : أترك أمركم ونهيكم ، أو أتقولون في شأني ما تقولون مما تريدون به السخرية والاستهزاء { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَا أنهاكم عَنْهُ } أي : وما أريد بنهيي لكم عن التطفيف والبخس أن أخالفكم إلى ما نهيتكم عنه فأفعله دونكم ، يقال : خالفه إلى كذا إذا قصده وهو مولّ عنه ، وخالفته عن كذا في عكس ذلك { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإصلاح } أي : ما أريد بالأمر والنهي إلا الإصلاح لكم ، ودفع الفساد في دينكم ومعاملاتكم { مَا استطعت } ما بلغت إليه استطاعتي ، وتمكنت منه طاقتي { وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بالله } أي : ما صرت موفقاً هادياً نبياً مرشداً إلا بتأييد الله سبحانه ، وإقداري عليه ومنحي إياه { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } في جميع أموري التي منها أمركم ونهيكم { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي : أرجع في كل ما نابني من الأمور ، وأفوّض جميع أموري إلى ما يختاره لي من قضائه وقدره ، وقيل : معناه : وإليه أرجع في الآخرة . وقيل : إن الإنابة : الدعاء . ومعناه : وله أدعوا .

/خ95