{ لَّن يَسْتَنكِفَ المسيح } أي لن يأنف { أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ } هو رد على النصارى { وَلاَ الملئكة } رد على من يعبدهم من العرب وهو عطف على «المسيح » { المقربون } أي الكروبيون الذين حول العرش كجبريل وميكائيل وإسرافيل ومن في طبقتهم . والمعنى : ولا الملائكة المقربون أن يكونوا عباداً لله فحذف ذلك لدلالة عبد الله عليه إيجازاً . وتشبثت المعتزلة والقائلون بتفضيل الملك على البشر بهذه الآية وقالوا : الارتقاء إنما يكون إلى الأعلى . يقال : فلان لا يستنكف عن خدمتي ولا أبوه ، ولو قال «ولا عبده » لم يحسن وكان معنى قوله «ولا الملائكة المقربون » ولا من هو أعلى منه قدراً وأعظم منه خطراً ، ويدل عليه تخصيص المقربين . والجواب أنا نسلم تفضيل الثاني على الأول ولكن هذا لا يمس ما تنازعنا فيه ، لأن الآية تدل على أن الملائكة المقربين بأجمعهم أفضل من عيسى ، ونحن نسلم بأن جميع الملائكة المقربين أفضل من رسول واحد من البشر . إلى هذا ذهب بعض أهل السنة ، ولأن المراد أن الملائكة مع ما لهم من القدرة الفائقة قدر البشر والعلوم اللوحية وتجردهم عن التولد الازدواجي رأساً لا يستنكفون عن عبادته ، فكيف بمن يتولد من آخر ولا يقدر على ما يقدرون ولا يعلم ما يعلمون ! وهذا لأن شدة البطش وسعة العلوم وغرابة التكون هي التي تورث الحمقى أمثال النصارى وهم الترفع عن العبودية حيث رأوا المسيح ولد من غير أب وهو يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى وينبىء بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم ، فبرءوه من العبودية فقيل لهم هذه الأوصاف في الملائكة أتم منها في المسيح ، ومع هذا لم يستنكفوا عن العبودية فكيف المسيح ! والحاصل أن خواص البشر وهم الأنبياء عليهم السلام أفضل من خواص الملائكة وهم الرسل منهم ، كجبريل وميكائيل وعزرائيل ونحوهم ، وخواص الملائكة أفضل من عوام المؤمنين من البشر ، وعوام المؤمنين من البشر أفضل من عوام الملائكة ، ودليلنا على تفضيل البشر على الملك ابتداء أنهم قهروا نوازع الهوى في ذات الله تعالى مع أنهم جبلوا عليها فضاهت الأنبياء عليهم السلام الملائكة عليهم السلام في العصمة وتفضلوا عليهم في قهر البواعث النفسانية والدواعي الجسدانية ، فكانت طاعتهم أشق لكونها مع الصوارف بخلاف طاعة الملائكة لأنهم جبلوا عليها فكانت أزيد ثواباً بالحديث { وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ } يترفع ويطلب الكبرياء { فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً } فيجازيهم على استنكافهم واستكبارهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.