السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَّن يَسۡتَنكِفَ ٱلۡمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبۡدٗا لِّلَّهِ وَلَا ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ٱلۡمُقَرَّبُونَۚ وَمَن يَسۡتَنكِفۡ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيَسۡتَكۡبِرۡ فَسَيَحۡشُرُهُمۡ إِلَيۡهِ جَمِيعٗا} (172)

روي أنّ وفد نجران قالوا : يا رسول الله لم تعيب صاحبنا ؟ قال : ( «ومن صاحبكم ؟ » قالوا : عيسى قال : «وأيّ شيء أقول ؟ » قالوا : تقول إنه عبد الله قال : «إنه ليس بعار أن يكون عبداً لله » قالوا : بلى ، فنزل قوله تعالى :

{ لن يستنكف } ) أي : يتكبر ويأنف { المسيح } أي : الذي زعمتم إنه إله { أن } أي : عن أن { يكون عبد الله } فإنّ عبوديته له شرف يتباهى به وإنما المذلة والاستنكاف في عبودية غيره وقوله تعالى : { ولا الملائكة المقرّبون } أي : عند الله عطف على المسيح أي : ولا تستنكف الملائكة المقربون أن يكونوا عبيداً لله ، وهذا من أحسن الاستطراد ذكر للرد على من زعم إنها آلهة أو بنات الله كما ردّ بما قبله على النصارى الزاعمين ذلك المقصود خطابهم ، فلا حجة فيه على أن الملائكة أفضل من الأنبياء كما زعمه بعض المعتزلة قائلاً بأنّ المعطوف أعلى درجة من المعطوف عليه .

قال الطيبي : وإنما تنهض الحجة على النصارى إذا سلموا أن الملائكة أفضل من عيسى ودونه خرط القتاد ، فكيف والنصارى رفعوا درجة عيسى إلى الإلهية ، فظهر أن ذكر الملائكة للاستطراد كما ردّ على النصارى وأنه من باب التتميم لا من باب الترقي اه . أو من باب الترقي في الخلق لا في المخلوق كما قاله البقاعي ، قال : لأن الملائكة أعجب خلقاً من عيسى في كونهم ليسوا من ذكر ولا أنثى ، ولا ما يجانس عضو البشر فكانوا لذلك أعجب خلقاً من آدم عليه الصلاة والسلام أيضاً أو في القوّة ؛ لأنهم أقوى من عيسى ؛ لأنهم يقتلعون الجبال ويأتون بالمياه العظيمة والعبادات الدائمة المستمرّة { ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر } أي : يطلب الكبر عن ذلك قال الراغب : الاستنكاف تكبر في أنفة والاستكبار بخلافه { فسيحشرهم } أي : المستكبرين وغيرهم { إليه جميعاً } في الآخرة بوعد لا يخلف فيجازيهم .