غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَّن يَسۡتَنكِفَ ٱلۡمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبۡدٗا لِّلَّهِ وَلَا ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ٱلۡمُقَرَّبُونَۚ وَمَن يَسۡتَنكِفۡ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيَسۡتَكۡبِرۡ فَسَيَحۡشُرُهُمۡ إِلَيۡهِ جَمِيعٗا} (172)

القراءات : { فسنحشرهم } بالنون : المفضل . الباقون بالياء .

170

قال الكلبي : إن وفد نجران قالوا : يا محمد لم تعيب صاحبنا ؟ قال : ومن صاحبكم ؟ قالوا : عيسى . قال : وأي شيء أقول فيه ؟ قالوا : تقول إنه عبد الله ورسوله . فقال لهم : إنه ليس بعار لعيسى أن يكون عبد الله . قالوا : بلى . فنزل { لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله } والتحقيق أن الشبهة التي عليها يعوّلون في دعوى أنه ابن الله هي أنه كان يخبر عن المغيبات ويأتي بخوارق العادات كإحياء الأموات فقيل لهم : { لن يستنكف المسيح } بسبب هذا القدر من العلم والقدرة عن عبودية الله تعالى فإن الملائكة المقربين أعلى حالاً منه لأنهم مطلعون على اللوح المحفوظ ، وقد حمل العرش مع عظمته ثمانية منهم ثم إنهم لم يستنكفوا عن كونهم عباداً لله تعالى فكيف يستنكف المسيح عن ذلك أي يمتنع ويأنف ؟ والتركيب يدور على التحية والإزالة من ذلك نكفت الدمع أنكفه إذا نحيته عن خدك بأصبعك ، ونكفت عن الشيء أي عدلت .

والقائلون بأفضلية الملائكة استدلوا بهذه الآية وقد تقدم الاستدلال بها والجواب عنها والبحث عليها في سورة البقرة في تفسير قوله :{ وإذا قلنا للملائكة اسجدوا }[ البقرة :34 ] الآية . أما قوله : { ولا الملائكة } فإنه معطوف على { المسيح } وهو الأظهر ، وجوز بعضهم عطفه على الضمير في { يكون } أو في { عبداً } لمعنى الوصفية فيه فيكون المعنى : أنّ المسيح لا يأنف أن يكون هو ولا الملائكة موصوفين بالعبودية ، أو لا يأنف أن يعبد الله هو والملائكة . وفي المعنيين انحراف عن الغرض فالأول أولى . والمراد بالملائكة كل واحد منهم حتى يكون خبره أيضاً { عبداً } أو يكون الخبر { عباداً } وحذف لدلالة { عبداً } عليه { ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه } أي يجمعهم يوم القيامة إليه حيث لا يملكون لأنفسهم شيئاً .

/خ176