فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَّن يَسۡتَنكِفَ ٱلۡمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبۡدٗا لِّلَّهِ وَلَا ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ٱلۡمُقَرَّبُونَۚ وَمَن يَسۡتَنكِفۡ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيَسۡتَكۡبِرۡ فَسَيَحۡشُرُهُمۡ إِلَيۡهِ جَمِيعٗا} (172)

{ يستنكف } يتأنف ، أو يعيب .

{ لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون } لن يأنف المسيح العبودية لله تعالى ولن يتأبى عنها ، ولن تأنف الملائكة العبودية ، ولن ينقطعا عنها ، وكلاهما من المقربين ، وقد شهد المولى سبحانه لعيسى بأنه صاحب منزلة عالية( . . وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ) ( {[1642]} ) ، وشهد عز ذكره للملائكة بأنهم عباد مكرمون يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولا يسأمون .

{ ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا } هذا وعيد لمن تأنف عن العبودية لربه وانقطع عن أداء ما أوجب الله على العباد ، وتأبى واستكبر عن الخضوع لجلال خالقه وبارئه ، فإنه مردود إلى ربه ، وموقوف بين يديه ، ومجزي بالاستكبار في الدنيا صغارا وذلا في الآخرة ( وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل . . ) ( {[1643]} ) ، ( . . إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) ( {[1644]} ) ، ( . . . فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) ( {[1645]} ) ، والحشر يجمع الله تعالى فيه المطيعين والمستنكفين ، لكنه سبحانه لا يسوي بين المسلمين والمجرمين ، الذين استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة ، والذين تولوا عن الهدى يدعون إلى نار جهنم دعا ، ويساقون إلى المحشر سوقا مهينا( . . يوم يدع الداع إلى شيء نكر . خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر . مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر ) ( {[1646]} ) ؛ ( فإذا نقر في الناقور . فذلك يومئذ يوم عسير . على الكافرين غير يسير ) ( {[1647]} ) .


[1642]:سورة آل عمران. من الآية 45.
[1643]:سورة الشورى. من الآية 45.
[1644]:سورة غافر. من الآية 60.
[1645]:سورة الأحقاف. من الآية 20.
[1646]:سورة القمر. من الآية6، والآيتان: 8،7.
[1647]:سورة المدثر. الآيات 8 و9 و10.