فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَّن يَسۡتَنكِفَ ٱلۡمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبۡدٗا لِّلَّهِ وَلَا ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ٱلۡمُقَرَّبُونَۚ وَمَن يَسۡتَنكِفۡ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيَسۡتَكۡبِرۡ فَسَيَحۡشُرُهُمۡ إِلَيۡهِ جَمِيعٗا} (172)

{ لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا ( 172 ) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا ( 173 ) }

{ لن يستنكف } أي لا يتكبر ولا يأنف { المسيح } الذي زعمتم أنه إله عن { أن يكون عبدا لله } أصل يستنكف نكف ، وباقي الحروف زائدة ، يقال نكفت الشيء واستنكفت منه أنكفته أن نزهته عما يستنكف منه .

قال الزجاج : استنكف أي أنف مأخوذ من نكفت الدمع إذا نحيته بأصبعك عن خذيك ، وقيل هو من النكف وهو العيب يقال ما عليه في هذا الأمر نكف ولا كف أي عيب ، ومعنى الأول لن يأنف عن العبودية ولن يتنزه عنها ، ومعنى الثاني لن يعيب العبودية ولن ينقطع عنها .

{ ولا الملائكة المقربون } أي ولن يستنكف حملة العرش وأفاضل الملائكة مثل جبريل وغيره عن أن يكونوا عبادا لله ، وهذا من أحسن الاستطراد ، ذكر للرد على من زعم أنها آلهة أو بنات الله كما رد بما قبله على النصارى الزاعمين ذلك المقصود خطابهم .

وقد استدل بهذا القائلون بتفضيل الملائكة على الأنبياء ، وقرر صاحب الكشاف وجه الدلالة بما لا يسمن ولا يغني من جوع ، وادعى أن الذوق قاض بذلك ، ونعم الذوق العربي إذا خالطه محبة المذهب ، وشابه شوائب الجمود كان هكذا .

وكل من يفهم لغة العرب يعلم أن من قال : لا يأنف من هذه المقالة إمام ولا مأموم أو لا كبير ولا صغير أو لا جليل ولا حقير لم يدل هذا على أن المعطوف أعظم شأنا من المعطوف عليه ، وعلى كل حال فما أبرد الاشتغال بهذه المسألة وما أقل فائدتها وما أبعدها عن أن تكون مركزا من المراكز الدينية وجسرا من الجسور الشرعية .

{ ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر } أي يأنف تكبرا ويعد نفسه كبيرا على العبادة { فسيحشرهم إليه جميعا } المستنكف وغيره فيجازي كلا بعمله ، لا يملكون لنفسهم شيئا ، وترك ذكر غير المستنكف هنا لدلالة أول الكلام عليه ولكون الحشر لكلا الطائفتين .