مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّـٰبِـُٔونَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (69)

{ إنَّ الّذين آمَنُوا } بألسنتهم وهم المنافقون ودل عليه قوله : { ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم } [ آل عمران : 76 ] { والّذين هادوا والصّبئون والنّصارى } قال سيبويه وجميع البصريين : ارتفع «الصابئون » بالابتداء وخبره محذوف والنية به التأخير عما في حيز «إن » من اسمها وخبرها كأنه قيل : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى { من آمن باللّهِ واليومِ الآخر وعمل صالحاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون } والصابئون كذلك أي من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم فقدم وحذف الخبر كقوله

فمن يك أمسى بالمدينة رحله *** فإني وقيار بها لغريب

أي فإني لغريب وقيار كذلك ، ودل اللام على أنه خبر «إن » ولا يرتفع بالعطف على محل «إن » واسمها لأن ذا لا يصح قبل الفراغ من الخبر . لا تقول «إن زيداً وعمرو منطلقان » وإنما يجوز «إن زيداً منطلق وعمرو » ، والصابئون مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله «إن الذين آمنوا » إلى آخره ، ولا محل لها كما لا محل للتي عطفت عليها . وفائدة التقديم التنبيه على أن الصابئين وهم أبين هؤلاء المعدودين ضلالاً وأشدهم غياً يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان فما الظن بغيرهم ! ومحل «من آمن » الرفع على الابتداء وخبره «فلا خوف عليهم » والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط . ثم الجملة كما هي خبر «إن » والراجح إلى اسم «إن » محذوف تقديره : من آمن منهم .