غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّـٰبِـُٔونَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (69)

59

ثم لما بين أن أهل الكتاب ليسوا على شيء ما لم يؤمنوا بيَّن أن هذا الحكم عام في الكل وأنه لا يحصل لأحد منقبة ولا سعادة إلاّ إذا آمن وعمل صالحاً ، وذلك أن كمال القوة النظرية لا يحصل إلاّ بمعرفة المبدأ والمعاد - أعني الإيمان بالله واليوم الآخر - وكمال القوة العملية إنما يحصل بتعظيم المعبود والشفقة على المخلوق - أعني العمل الصالح - وغاية هذا الكمال الخلاص من الخوف مما يستقبل ومن الحزن على ما مضى من طيبات الدنيا لأنهم وجدوا أموراً أعظم وأشرف . وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية في سورة البقرة إلاّ أنه بقي ههنا بحث لفظيّ وهو أن قوله : { والصابئون } عطف على ماذا ؟ فقال الكوفيون : إنه معطوف على محل { الذين } لأن اسم " إن " إذا كان مبنياً جاز العطف على محله ، وإن كان قبل ذكر الخبر فيجوز : إنك وزيد ذاهبان . وإن لم يجز إن زيداً وعمرو قائمان . وذهب البصريون إلى عدم جواز ذلك مطلقاً لأنه يؤدي إلى إعمال " إنّ " وإعمال معنى الابتداء معاً في " قائمان " فيجتمع على المرفوع الواحد رافعان مختلفان وإنه محال . فإذن { الصابئون } مرفوع بالابتداء على نية التأخير كأنه قيل : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا والصابئون كذلك ، فتكون هذه جملة معطوفة على جملة قوله : { إن الذين آمنوا } إلى آخره ولا محل لها كما لا محل للتي عطفت عليها ، وفائدة هذا التقديم التنبيه على أن التوبة مقبولة ألبتة ، وذلك أن الصابئين بين هؤلاء المعدودين ضلال لأنهم صبؤا عن الأديان كلها أي خرجوا فكأنه قال : كل هؤلاء الفرق إذا أتوا بالإيمان والعمل الصالح قبلت توبتهم حتى الصابئون ولو قيل : والصابئين لم يكن من التقديم في شيء لأنه ثابت في مركزه الأصلي وإنما تطلب فائدة التقديم للمزال عن موضعه والراجع إلى اسم " إن " محذوف والتقدير من آمن منهم كما في البقرة والله أعلم .

/خ69