الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّـٰبِـُٔونَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (69)

قوله تعالى : { إِنَّ الذين ءَامَنُواْ والذين هَادُواْ والصابئون والنصارى مَنْ ءَامَنَ بالله واليوم الآخر وعَمِلَ صالحا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }[ المائدة :69 ] .

( الذين آمنوا ) : لفظٌ عامٌّ لكلِّ مؤمنٍ من مِلَّةِ نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ومِنْ غَيْرها من المِلَلِ ، فكأنَّ ألفاظ الآية حُصِرَ بها الناسُ كلُّهم ، وبُيِّنَتِ الطوائفُ على اختلافها ، وهذا هو تأويلُ الجمهور ، وقد مَضَى الكلامُ في «سورة البقرة » ، فراجعْهُ هناك ، وقرأ الجمهورُ : { وَالصَّابِئُونَ } ، وقرئ خارجَ السبعة : ( والصَّابِِينَ ) ، وهي بيِّنة الإعراب ، وأما على قراءة الجمهورِ ، فاختلف في إعرابها ، ومَذْهَبُ سبيَوَيْهِ ، والخَلِيلِ ، ونُحَاةِ البَصْرة : أنه من المقدَّم الذي معناه التأْخِيرُ ، كأنَّه قال : إنَّ الذين آمنوا والذين هَادُوا ، مَنْ آمَنَ باللَّه واليومِ الآخِرِ وعَمِلَ صالحاً ، فلا خَوْفٌ عليهم ولا هم يحزنُونَ ، والصَّابِئُونَ والنصارى كذلك .

قال ( ص ) : ووجه ثانٍ أنَّ خبر «إنَّ » محذوفٌ ، أي : إنَّ الذين آمنوا لهم أجْرُهُمْ ، وخبر «الصَّابئين » : { مَنْ آمَنَ } وما بعده ، قال ابنُ عُصْفُورٍ : وهو حَسَنٌ جدًّا ، إذ ليس فيه أكثر من حَذْفِ خبرِ «إنَّ » ، للفهم ، وهو جائزٌ في فصيحِ الكلامِ ، انتهى .

قلتُ : قال ابْنُ مالكٍ : وهو أسهلُ من التقديمِ والتأخيرِ ، وقيل : إن ( الصابين ) في موضِعِ نَصْبٍ ، ولكنه جاء على لغة بَلْحَارِثِ الذين يَجْعَلُونَ التثنيةَ بالأَلِفِ على كل حال ، والجَمْعَ بالواو على كُلِّ حال ، قاله أبو البقاء ، وقيل غير هذا .