محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسۡـَٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (94)

/ [ 94 ] { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين 94 } .

{ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } من قصص موسى وفرعون وبني إسرائيل { فاسأل الذين يقرؤون الكتاب } أي التوراة { من قبلك } فإنه عندهم على نحو ما أوحي إليك { لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين } أي الشاكين في أنه منزل من عنده .

تنبيه :

لا يفهم من هذه الآية ثبوت شك له صلوات الله عليه ، فإن صدق الشرطية لا يقتضي وقوعها ، كقولك : ( إن كانت الخمسة زوجا ، كانت منقسمة بمتساويين ) . والسر في مثلها تكثير الدلائل وتقويتها ، لتزداد قوة اليقين ، وطمأنينة القلب ، وسكون الصدر . ولذا أكثر تعالى في كتابه من تقرير أدلة التوحيد والنبوة والرجعة . أو السر هو الاستدلال على تحقيق ما قص ، والاستشهاد بما في الكتاب المتقدم ، وأن القرآن مصدق لما فيه . أو وصف الأحبار بالرسوخ في العلم ، بصحة ما أنزل إلى رسول الله ، صلوات الله عليه ، تعريضا بالمشركين . أو تهييج الرسول ، صلوات الله عليه ، وتحريضه ليزداد يقينا ، كما قال الخليل صلوات الله عليه{[4784]} : { ولكن ليطمئن قلبي } . وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال حين نزول الآية : " لا أشك ولا أسأل " أخرجه عبد الرزاق وابن جرير{[4785]} عن قتادة أو الخطاب له صلى الله عليه وسلم ، والمراد غيره ، على حد : ( إياك أعني واسمعي يا جارة ) . وفيه من قوة التأثير في القلوب ما لا مزيد عليه ، بمثابة ا لو خاطب سلطان عاملا له على بلدته بحضور أهلها بوصاياه وأوامره الرهيبة ، فيكون ذلك أفعل في النفوس . أو الخطاب لكل من يسمع أي : إن كنت أيها السامع في شك مما نزلنا على لسان نبينا إليك . . . وأيد هذا بقوله تعالى بعد{[4786]} : { قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني . . . } فكأنه أشار إلى أن المذكور في أول الآية رمزا ، هم المذكورون بعد صراحة وفي الآية تنبيه على أن كل من خالجته شبهة في الدين ينبغي أن يسارع إلى حلها ، بمقادحة العلماء المنبهين على الحق .


[4784]:[2 / البقرة / 260].
[4785]:أخرجه ابن جرير في تفسيره بالصفحة رقم 168 من الجزء الحادي عشر (طبعة الحلبي الثانية).
[4786]:[10 / يونس / 104].