محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقُولُواْ رَٰعِنَا وَقُولُواْ ٱنظُرۡنَا وَٱسۡمَعُواْۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (104)

{ يأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم 104 } .

{ يأيها الذين آمنوا لا تقولوا } للنبي صلى الله عليه وسلم { راعنا } التي تقصدون بها الرعاية والمراقبة لمقصد الخير وحفظ الجانب ، فاغتنمها اليهود لموافقة كلمة سيئة عندهم فصاروا يلوون/ بها ألسنتهم ، ويقصدون بها الرعونة ، وهي إفراط الجهالة ، فنهاهم عن موافقتهم في القول ، منعا للصحيح الموافق في الصورة لشبهه من القبيح ، وعوضهم منها ما لا يتطرق إليه فساد فقال : { وقولوا انظرنا } فأبقى المعنى وصرف اللفظ . أي انظر إلينا . بالحذف والإيصال . أو انتظرنا . على أنه من نظره إذا انتظره ، وقرئ أنظرنا من النظرة أي أمهلنا حتى نحفظ . وقرئ راعونا على صيغة الجمع للتوقير . وراعنا على صيغة الفاعل أي قولا ذا رعنٍ ، كدارعٍ ولابنٍ ، لأنه لما أشبه قولهم راعينا وكان سببا للسب بالرعن اتصف به

{ واسمعوا } أي قولوا ما أمرتكم به ، وامتثلوا جميع أوامري ، ولا تكونوا كاليهود ، حيث قالوا سمعنا وعصينا { وللكافرين } أي اليهود الذين توسلوا بقولكم المذكور إلى التهاون بمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم { عذاب أليم } لما اجترؤوا عليه من العظيمة ، وهو تذييل لما سبق ، فيه وعيد شديد لهم ، ونوع تحذير للمخاطبين عما نهوا عنه . وهذه الآية نظير قوله تعالى في سورة النساء : { من الذين هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليّا بألسنتهم وطعنا في الدين* ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا } {[685]} ومن لّيهم ما جاء في الحديث أنهم كانوا إذا سلموا يقولون : ( السام عليكم ) {[686]} والسام هو الموت ، ولهذا أمرنا أن نرد عليهم ب " وعليكم " ، وإنما يستجاب لنا فيهم ، ولا يستجاب لهم فينا .


[685]:[4/ النساء/ 46].
[686]:أخرجه البخاري في: 78 ـ كتاب الأدب، 35 ـ باب الرفق في الأمر كله. عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم. قالت عائشة: فهمتها فقلت: وعليكم السام واللعنة. قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مهلاً يا عائشة. إن الله يحب الرفق في الأمر كله). فقلت: يا رسول الله! ولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد قلت: وعليكم).