محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٖ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآۗ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (106)

ولما أنكرت اليهود أنه يقع شيء من النسخ لآيات الله ، توصلا بذلك إلى إنكار آيات القرآن ، وتأييد تأبيد التوراة ، رد عليهم سبحانه – بعد تحقيق حقية الوحي- بقوله : { * ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير 106 } .

{ ما ننسخ من آية } أي : ما نبدّل من آية بغيرها – كنسخنا آيات التوراة بآيات القرآن- { أو ننسها } أي : نذهبها من القلوب – كما أخبر بقوله : { ونسوا حظّا مما ذكّروا به } {[687]}- وقرئ { أو ننسأها } أي نؤخرها ونتركها بلا نسخ ، كما أبقى كثيرا من أحكام التوراة في القرآن . وعلى هذه القراءة ، فقد نشر على ترتيب هذا اللف قوله : { نأت بخير منها } أي : من المنسوخة المبدلة – كما فعل في الآيات التي شرعت في الملّة الحنيفية ما فيه اليسر ، ورفع الحرج ، والعنت – فكانت خيرا من تلك الآصار والأغلال . وقوله : { أو مثلها } أي : مثل تلك الآيات الموحاة قبل ، كما يُرى في كثير من الآيات في القرآن الموافقة لما بين يديها مما اقتضت الحكمة بقاءه واستمراره .

قال الراغب : فإن قيل : إن الذي تُرك ولم يُنسخ ليس هو مثله بل هو هو ، فكيف قال : { بمثلها } ؟ قيل : الحكم الذي أنزل في القرآن – وكان ثابتا في الشرع الذي قبلنا- يصحّ أن يقال هو هو ، إذا اعتبر بنفسه ولم يعتبر بكسوته- التي هي اللفظ . ويصح أن يقال هو مثله إذا لم يعتبر بنفسه فقط بل اعتبر باللفظ . ونحو ذلك أن يقال : ماء البئر هو ماء النهر- إذا اعتبر جنس الماء ، وتارة يقال : مثل ماء النهر- إذا اعتبر قرار الماء . اه . على أن إرادة العين بالمثل شائعة - كما في قولهم : مثلك لا يبخل- { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } فهو يقدر على الخير ، وما هو خير منه ، وعلى مثله في الخير . قال الراغب : أي لا تحسبنّ أن تغييري لحكم ، حالا فحالا ، وأني لم آت بالثاني في الابتداء – هو العجز ، فإن من علم قدرته على كل شيء لا يظن ذلك . وإنما تغيّر ذلك يرجع إلى مصلحة العباد ، وأن الأليق بهم ، في الوقت المتقدم ، الحكم المتقدم . وفي الوقت المتأخر ، الحكم المتأخر .


[687]:[5/ المائدة/ 13] ونصها: {فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرّفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظّا مما ذكّروا به ولا تزال تطّلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن اللّه يحب المحسنين 13}