غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقُولُواْ رَٰعِنَا وَقُولُواْ ٱنظُرۡنَا وَٱسۡمَعُواْۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (104)

104

التفسير : لما شرح الله تعالى قبائح أفعال السلف من اليهود ، شرع في قبائح أخلاق المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجدّهم واجتهادهم في القدح فيه والطعن في دينه ، واعلم أن الله تعالى خاطب المؤمنين في ثمانية وثمانين موضعاً من القرآن . قال ابن عباس : وكان يخاطب في التوراة ب " يا أيها المساكين " فكأنه سبحانه لما خاطبهم أولاً بالمساكين أثبت لهم المسكنة آخراً حيث قال { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } [ البقرة : 61 ] وهذا يدل على أنه تعالى لما خاطب هذه الأمة بالإيمان أوّلاً فإنه تعالى يعطيهم الأمان من العذاب آخراً { وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً } [ الأحزاب : 47 ] ، ولاسيما فإن المؤمن اسم من أسمائه العظام ، ففيه دليل على أنه تعالى يقرّبهم منه في دار السلام . وقيل : آمنوا على الغيبة نظراً إلى المظهر وهو { الذين } ولو قيل آمنتم نظراً إلى النداء جاز من حيث العربية ، ثم إنه لا يبعد في الكلمتين المترادفتين أن يمنع الله من إحداهما ويأذن في الأخرى ومن هنا قال الشافعي : لا تصح الصلاة بترجمة الفاتحة عربية كانت أو فارسية .

فلا يبعد أن يمنع الله من قول { راعنا } ويأذن في قول { انظرنا } وإن كانا مترادفين . ولكن جمهور المفسرين على أنه تعالى إنما منع من قول

{ راعنا } لاشتماله على مفسدة . ثم ذكروا وجوهاً منها : أن المسلمين كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ألقي عليهم شيئاً من العلم راعنا يا رسول الله ، واليهود كانت لهم كلمة عبرانية يتسابون بها تشبه هذه الكلمة وهي " راعينا " ومعناها " اسمع لا سمعت " كما صرح بذلك في سورة النساء { ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا }

[ النساء : 46 ] فإن الجميع كأنها متقاربة فلما سمعوا المسلمين يقولون { راعنا } افترصوه وخاطبوا به الرسول وهم يعنون المسبة ، فنهى المؤمنون عنها وأمروا بلفظة أخرى وهي { انظرنا } . روي أن سعد بن معاذ سمعها منهم فقال : يا أعداء الله عليكم لعنة الله ، والذي نفسي بيده إن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه ، فقالوا : أولستم تقولونها ؟ فنزلت ، ومنها قال قطرب : هذه الكلمة وإن كانت صحيحة المعنى إلا أن أهل الحجاز كانوا يقولونها عند الهزء والسخرية فلا جرم نهى الله عنها ، وقيل : إن اليهود كانوا يقولون " راعينا " أي أنت راعي غنمنا فنهاهم عنه . وقيل : إن هذه اللفظة لكونها من باب المفاعلة ، تدل على المساواة بين المتخاطبين كأنهم قالوا : أرعنا سمعك لنرعيك أسماعنا فنهوا عنه

{ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً } [ النور : 63 ] وقيل : { راعنا } خطاب مع الاستعلاء أي راع كلامي ولا تغفل عنه ولا تشتغل بغيره ، وليس في { انظرنا } إلا سؤال الانتظار . وقيل : إنها تشبه اسم الفاعل من الرعونة والحمق ، فيحتمل أنهم أرادوا به المصدر كقولهم " عائذاً بك " أي أعوذ عياذاً . فقولهم { راعنا } أي فعلت رعونة ، ويحتمل أنهم أرادوا صرت راعنا أي ذا رعونة ، فلمكان هذه الوجوه الفاسدة نهى الله عنها ، وقيل : المراد لا تقولوا قولاً راعناً أي منسوباً إلى الرعن كدارع ولابن ، ومنه قراءة الحسن { راعناً } بالتنوين . وانظرنا من نظره إذا انتظره

{ انظرونا نقتبس من نوركم } [ الحديد : 13 ] أمرهم الله تعالى أن يسألوه صلى الله عليه وسلم الإمهال لينقلوا عنه فلا يحتاجون إلى الاستعادة كأنهم قالوا له : توقف في كلامك وبيانك مقدار ما يصل إلى أفهامنا . وهذا القدر غير خارج عن قانون الأدب فقد يلتمسه المتعلم حرصاً منه على أن لا يفوت منه شيء من الفوائد وإن كان المعلم غير مهمل دقائق التفهيم والإرشاد من التثبت والتأني والإعادة إن احتيج إليها ونحو ذلك . وقيل : انظرنا معناه انظر إلينا مثل { واختار موسى قومه } [ الأعراف : 155 ] أي من قومه . والغرض أن المعلم إذا نظر إلى المتعلم كانت إفاضته عليه أظهر وأقوى . وفي قراءة أبيّ { انظرنا } من النظرة أي أمهلنا حتى نحفظه . { واسمعوا } معناه أحسنوا سماع كلام نبيكم بآذان واعية وأذهان حاضرة حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة وطلب المراعاة ، أو اسمعوا سماع قبول وطاعة لا كاليهود حيث قالوا سمعنا وعصينا ، أو اسمعوا ما أمرتم به ولا ترجعوا إلى ما نهيتم عنه من قول راعنا ، وللكافرين ولليهود الذين تهاونوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وسبوه عذاب أليم .