الرعاية والمراعاة : النظر في مصالح الإنسان وتدبير أموره .
والرعونة والرعن : الجهل والهوج .
{ يا أيها الذين آمنوا } : هذا أول خطاب خوطب به المؤمنون في هذه السورة ، بالنداء الدال على الإقبال عليهم ، وذلك أن أول نداء جاء أتى عامًّا : { يا أيها الناس اعبدوا ربكم } وثاني نداء أتى خاصاً : { يا بني إسرائيل اذكروا } وهي الطائفة العظيمة التي اشتملت على الملتين : اليهودية والنصرانية ، وثالث نداء لأمة محمد صلى الله عليه وسلم المؤمنين .
فكان أول نداء عامًّا ، أمروا فيه بأصل الإسلام ، وهو عبادة الله .
وثاني نداء ، ذكروا فيه بالنعم الجزيلة ، وتعبدوا بالتكاليف الجليلة ، وخوّفوا من حلول النقم الوبيلة وثالث نداء : علموا فيه أدباً من آداب الشريعة مع نبيهم ، إذ قد حصلت لهم عبادة الله ، والتذكير بالنعم ، والتخويف من النقم ، والاتعاظ بمن سبق من الأمم ، فلم يبق إلا ما أمروا به على سبيل التكميل ، من تعظيم من كانت هدايتهم على يديه .
والتبجيل والخطاب بيا أيها الذين آمنوا متوجه إلى من بالمدينة من المؤمنين ، قيل : ويحتمل أن يكون إلى كل مؤمن في عصره .
وروي عن ابن عباس : أنه حيث جاء هذا الخطاب ، فالمراد به أهل المدينة ، وحيث ورد يا أيها الناس ، فالمراد أهل مكة .
{ لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا } : بدئ بالنهي ، لأنه من باب التروك ، فهو أسهل .
ثم أتى بالأمر بعده الذي هو أشق لحصول الاستئناس ، قبل بالنهي .
ثم لم يكن نهياً عن شيء سبق تحريمه ، ولكن لما كانت لفظة المفاعلة تقتضي الاشتراك غالباً ، فصار المعنى : ليقع منك رعي لنا ومنا رعي لك ، وهذا فيه ما لا يخفى مع من يعظم نهوا عن هذه اللفظة لهذه العلة ، وأمروا بأن يقولوا : انظرنا ، إذ هو فعل من النبي صلى الله عليه وسلم ، لا مشاركة لهم فيه معه .
وفي مصحف عبد الله وقراءته ، وقراءة أبي : راعونا ، على إسناد الفعل لضمير الجمع .
وذكر أيضاً أن في مصحف عبد الله : ارعونا .
خاطبوه بذلك إكباراً وتعظيماً ، إذ أقاموه مقام الجمع .
وتضمن هذا النهي ، النهي عن كل ما يكون فيه استواء مع النبي صلى الله عليه وسلم .
وقرأ الحسن ، وابن أبي ليلى ، وأبو حياة ، وابن محيصن : راعنا بالتنوين ، جعله صفة لمصدر محذوف ، أي قولاً راعناً ، وهو على طريق النسب كلابن وتامر .
لما كان القول سبباً في السبب ، اتصف بالرعن ، فنهوا في هذه القراءة عن أن يخاطبوا الرسول بلفظ يكون فيه ، أو يوهم شيئاً من الغض ، مما يستحقه صلى الله عليه وسلم من التعظيم وتلطيف القول وأدبه .
وقد ذكر أن سبب نزول هذه الآية أن اليهود كانت تقصد بذلك ، إذ خاطبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرعونة ، وكذا قيل في راعونا ، إنه فاعولاً من الرعونة ، كعاشورا .
وقيل : كانت لليهود كلمة عبرانية ، أو سريانية يتسابون بها وهي : راعينا ، فلما سمعوا بقول المؤمنين راعنا ، اقترضوه وخاطبوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يعنون تلك المسبة ، فنهي المؤمنون عنها ، وأمروا بما هو في معناها .
ومن زعم أن راعنا لغة مختصة بالأنصار ، فليس قوله بشيء ، لأن ذلك محفوظ في جميع لغة العرب .
وكذلك قول من قال : إن هذه الآية ناسخة لفعل قد كان مباحاً ، لأن الأول لم يكن شرعاً متقرراً قبل .
وبالجملة ، فهي كما قال محمد بن جرير : كلمة كرهها الله أن يخاطب بها نبيه ، كما قال صلى الله عليه وسلم :
« لا تقولوا عبدي وأمتي وقولوا فتاي وفتاتي ولا تسموا العنب الكرم » وذكر في النهي وجوه : إن معناها اسمع لا سمعت ، أو إن أهل الحجاز كانوا يقولونها عند المفر ، قاله قطرب ، أو أن اليهود كانوا يقولون : راعينا أي راعي غنمنا ، أو أنه مفاعلة فيوهم مساواة ، أو معناه راع كلامنا ولا تغفل عنه ، أو لأنه يتوهم أنه من الرعونة .
وقوله : انظرنا ، قراءة الجمهور ، موصول الهمزة ، مضموم الظاء ، من النظرة ، وهي التأخير ، أي انتظرنا وتأنّ علينا ، نحو قوله :
أو من النظر ، واتسع في الفعل فعدى بنفسه ، وأصله أن يتعدى بإلى ، كما قال الشاعر :
يريد : إلى الأراك ، ومعناه : تفقدنا بنظرك .
وقال مجاهد : معناه فهمنا وبين لنا ، فسر باللازم في الأصل ، وهو انظر ، لأنه يلزم من الرفق والإمهال على السائل ، والتأني به أن يفهم بذلك .
وقيل : هو من نظر البصيرة بالتفكر والتدبر فيما يصلح للمنظور فيه ، فاتسع في الفعل أيضاً ، إذ أصله أن يتعدى بفي ، ويكون أيضاً على حذف مضاف ، أي انظر في أمرنا .
قال ابن عطية : وهذه لفظة مخلصة لتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ، والظاهر عندي استدعاء نظر العين المقترن بتدبر الحال ، وهذا هو معنى : راعنا ، فبدلت للمؤمنين اللفظة ، ليزول تعلق اليهود . انتهى .
وقرأ أبي والأعمش : أنظرنا ، بقطع الهمزة وكسر الظاء ، من الإنظار ، ومعناه : أخرنا وأمهلنا حتى نتلقى عنك .
وهذه القراءة تشهد للقول الأول في قراءة الجمهور .
{ واسمعوا } : أي سماع قبول وطاعة .
وقيل : فرغوا أسماعكم حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة .
وقيل : اسمعوا ما أمرتم به حتى لا ترجعوا تعودون إليه .
وروي أن سعد بن معاذ سمعها منهم فقال : يا أعداء الله ، عليكم لعنة الله ، فوالذي نفسي بيده ، لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه .
{ وللكافرين عذاب أليم } : ظاهره العموم ، فيدخل فيه اليهود .
وقيل : المراد به اليهود ، أي ولليهود الذين تهاونوا بالرسول وسبوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.