محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلِكُلّٖ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَاۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ أَيۡنَ مَا تَكُونُواْ يَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (148)

{ ولكل وجهة هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير 148 } .

{ ولكل وجهة } أي لكل أمة أو لكل نبيّ قبلة أو شرعة ومنهاج { هو مولّيها } وجهه . أي مائل إليها بوجهه ، تابع لها . لأنها حُبِّبت إليه وزُيِّنت له . وقال أبو معاذ : موليها بمعنى متوليها . أي تولاها ورضيها واتبعها { فاستبقوا الخيرات } أي ابتدروها بالمسابقة إليها . وهذا أبلغ من الأمر بالمسارعة ، لما فيه من الحث على إحراز قصب السبق . والمراد بالخيرات جميع أنواعها مما ينال به سعادة الدارين { أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا } قال الراغب : أي أيّ شغل تحريتم ، وحيثما تصرفتم ، وأي معبود اتخذتم ، فإنكم مجموعون ومحاسبون عليها { إن الله على كل شيء قدير } تعليل لما قبله . أي هو قادر على جمعكم من الأرض ، وإن تفرقت أجسادكم وأبدانكم .

( تنبيه ) تشير الآية إلى أن الناس على مذاهب عديدة وأديان متنوعة . وأن على العاقل أن يستبق إلى ما كان خيرها وأرقاها . وقد اتفق العقلاء قاطبة والفلاسفة أن دين الإسلام أرقى الأديان كلها لما حَوَى من حاجيات الكمال البشريّ ، ووفّى بشؤون الاجتماع ، وأسباب / العمران وذرائع الرقيّ وطرق السعادتين . وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى : { لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه } {[847]} وقوله : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا * ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم * فاستبقوا الخيرات * إلى الله مرجعكم جميعا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون } {[848]} .


[847]:{22/ الحج/ 67] ونصها: {لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنّك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم 67}.
[848]:[5/ المائدة/ 48] ونصها: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدّقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء اللّه لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى اللّه مرجعكم جميعا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون 48}.