محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ} (49)

{ وإذ نجّيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم 49 } .

{ وإذ نجّيناكم من آل فرعون } تذكير لتفاصيل ما أجمل في قوله تعالى : { نعمتي التي أنعمت عليكم } من فنون النعماء . أي واذكروا وقت تنجيتنا إياكم ، أي آبائكم . فإن تنجيتهم تنجية لأعقابهم . والمراد بالآل ، فرعون وأتباعه ، فإن الآل يطلق على الشخص نفسه وعلى أهله وأتباعه وأوليائه ( قاله في القاموس ) .

ثم بين ما أنجاهم منه بقوله : { يسومونكم } أي يبغونكم { سوء العذاب } أي أفظعه وأشده { يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم } أي يتركونهم أحياء { وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم } البلاء إما المحنة ، إن أشير بذلكم إلى صنيع فرعون ؛ أو النعمة ، إن أشير به إلى الإنجاء . قال ابن جرير : العرب تسمى الخير بلاء والشر بلاء .

فائدة : فرعون لقب لمن ملك مصر كافرا . ككسرى لملك الفرس . وقيصر لملك الروم . وتبّع لمن ملك اليمن كافرا . والنجاشي لمن ملك الحبشة ، وخاقان لملك الترك . ولعتوّه اشتق منه : تفرعن الرجل ، إذا عتا وتمرد .

وسبب سَوْمِهِ بني إسرائيل سوء العذاب من تذبيح أبنائهم ( على ما روي في التوراة ) خوفه من نموّهم وكثرة توالدهم . وكانت أرض مصر امتلأت منهم . فإن يوسف ، عليه / السلام ، لما استقدم أباه وإخوته وأهلهم من أرض كنعان إلى مصر ، أعطاهم ملكا في أرض مصر في أفضل الأرض كما أمره ملك مصر . وكان لهم في مصر مقام عظيم بسبب يوسف عليه السلام . فتكاثروا وتناسلوا . ولما توفي يوسف عليه السلام والملك الذي اتخذه وزيرا عنده ، انقطع ذلك الاحترام عن بني إسرائيل . إلى أن قام على مصر أحد ملوكها الفراعنة . فرأى غوّ ( غي ) الإسرائيليين . فقال لقومه : أضحى بنو إسرائيل شعبا أكثر منا وأعظم . فهلمّ نحتال لهم لئلا ينموا . فيكون ، إذا حدثت حرب ، أنهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا . ويخرجونا من أرضنا . فسلط عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم . وكانوا كلما اشتد تعبدهم ازدادوا كثرة وشدة . فشق على المصريين كثرتهم واختشوا منهم . فجعل أهل مصر يستعبدونهم جورا ويمرّرون عليهم حياتهم بالعمل الشديد بالطين واللَّبِن ، وكل فلاحة الأرض ، وكل الأفعال التي استعبدوهم بها بالمشقّة .

وأمر فرعون بذبح أبنائهم كما قصه الله تعالى . ولم يزل الأمر في هذه الشدة عليهم حتى نجاهم سبحانه بإرسال موسى عليه السلام . وقوله جل ذكره .