محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (50)

{ وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون 50 } .

{ وإذ فرقنا بكم البحر } بيان لسبب التنجية ، وتصوير لكيفيتها ، إثر تذكيرها وبيان عظمها وهولها . وقد بين في تضاعيف ذلك نعمة جليلة أخرى هي الإنجاء من الغرق . أي واذكروا إذ فلقناه بسلوككم أو ملتبسا بكم أو بسبب إنجائكم . وفصلنا بين بعضه وبعض حتى حصلت مسالك . فالباء على الأول استعانة . مثلها في : كتبت بالقلم . وعلى الثاني للمصاحبة . مثلها في : أسندت ظهري بالحائط . وعلى الثالث للسببية . والوجه الأول / ضعيف من حيث إن مقتضاه أن تفريق البحر وقع ببني إسرائيل والمنصوص عليه في التنزيل أن البحر إنما انفرق بعصا موسى . قال تعالى : { أن اضرب بعصاك البحر * فانفلق فكان كل فرق كالطّود العظيم } {[583]} فآلة التفريق العصا لا بنو إسرائيل { فأنجيناكم } أي من الغرق بإخراجكم إلى الساحل { وأغرقنا آل فرعون } أريد فرعون وقومه . وإنما اقتصر على ذكرهم للعلم بأنه أولى به منهم { وأنتم تنظرون } أي إلى ذلك وتشاهدونه لا تشكون فيه . ليكون ذلك أشفى لصدوركم وأبلغ في إهانة عدوكم .

وكانت قصة إغراق آل فرعون المشار لها في هذه الآية ، على ما روي ، أن الحق تعالى لما شاء إخراج بني إسرائيل من مصر من بيت العبودية ، أوقع في نفس فرعون أن يطلقهم من مصر . بعد إباء شديد منه ورؤية آيات إلهية كادت تُحِل به وبقومه البوارَ . فدعا موسى وهارون وقال : اخرجوا من بين شعبي أنتما وبنو إسرائيل جميعا . واذهبوا اعبدوا الرب كما تكلمتم . فلما ارتحلوا وأخبر فرعون أن الشعب قد هرب ، تغير قلبه عليهم وقال : ماذا فعلنا حتى أطلقناهم من خدمتنا ؟ فشد مركبته وأخذ قومه معه وسعى وراءهم وأدركهم وهم نازلون عند بحر القلزم . وهو المشهور ببحر السويس . فلما رأت بنو إسرائيل عسكر فرعون وراءهم قالوا : يا موسى أين ما وعدتنا من النصر والظفر ؟ فلو بقينا على خدمة المصريين لكان خيرا لنا من أن نهلك في هذه البرية { قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا * إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده * والعاقبة للمتقين } {[584]} وقال : { عسى ربكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون } {[585]} . وأوحى / الله إلى موسى عليه السلام أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق وأيبس قعره . فدخل بنو إسرائيل فيه . فتبعهم فرعون وجنوده . فخرج موسى وقومه من الجهة الثانية . وانطبق البحر على فرعون ومن معه فغرقوا كلهم . وسيأتي الإشارة إلى هذه القصة في مواضع من التنزيل . ومن أبسطها فيه سورة الشعراء .


[583]:[26/ الشعراء/ 63] ونصها: {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطّود العظيم 63}.
[584]:7/ الأعراف/ 128].
[585]:[7/ الأعراف/ 129] ونصها: {قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون 129}.