محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ثُمَّ تَوَلَّيۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۖ فَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَكُنتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (64)

{ ثم تولّيتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين 63 } .

{ ثم تولّيتم } أي أعرضتم عن الوفاء بالميثاق { من بعد ذلك } أي من بعد أخذ الميثاق المؤكد { فلولا فضل الله عليكم ورحمته } أي لكم بتوفيقكم للتوبة ، أو تأخير العذاب ، { لكنتم من الخاسرين } أي الهالكين بالعقوبة .

قال الراغب : الخاسر المطلق ، في القرآن ، هو الذي خسر أعظم ما يقتني ، وذلك نعيم الأبد ، وهو المذكور في قوله : { قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة } {[603]} .

وقال القفال : قد يعلم في الجملة أنهم بعد قبول التوراة ورفع الطور ، تولوا عن التوراة بأمور كثيرة . فحرفوا كلمها عن مواضعه ، وتركوا العمل بها ، وقتلوا الأنبياء ، وكفروا بهم ، وعصوا أمرهم . ومنها ما عمله أوائلهم ، ومنها ما فعله متأخروهم ، ولم يزالوا في التيه مع مشاهدتهم الأعاجيب ليلا ونهارا يخالفون موسى ويعترضون عليه ، ويلقونه بكل أذى ويجاهرون بالمعاصي في معسكرهم ذلك . حتى لقد خسف ببعضهم ، وأحرقت النار بعضهم ، وعوقبوا بالطاعون . وكل هذا مذكور في تراجم التوراة التي يقرون بها ، ثم فعل متأخروهم ما لا خفاء به ، حتى عوقبوا بتخريب بيت المقدس ، وكفروا بالمسيح ، وهموا بقتله .

والقرآن ، وإن لم يكن فيه بيان ما تولوا به عن التوراة ، فالجملة معروفة ، وذلك إخبار من الله تعالى عن عناد أسلافهم . فغير عجيب إنكارهم ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام ن الكتاب ، وجحودهم لحقه . وحالهم في كتابهم ونبيهم ما ذكر . والله أعلم .


[603]:[39/ الزمر/ 15].