قوله تعالى : { فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ } : " لولا " هذه حرفُ امتناعٍ لوجودٍ ، والظاهرُ أنها بسيطةٌ ، وقال أبو البقاء : " هي مركبةٌ من " لَوْ " و " لا " ، و " لو " قبل التركيبِ يمتنعُ بها الشيءُ لامتناع غيره ، و " لا " للنفي ، والامتناعُ نفيٌ في المعنى ، وقد دَخَلَ النفيُ ب " لا " على أحد امتناعي لو ، والنفيُ إذا دخل على النفي صار إيجاباً ، فمِنْ هنا صار معنى " لولا " هذه يمتنع بها الشيءُ لوجودِ غيره ، وهذا تكلُّفُ ما لا فائدةَ فيه ، وتكونُ " لولا " أيضاً حرفَ تخضيضٍ فتختصُّ بالأفعال وسيأتي الكلامُ عليها إن شاء الله تعالى . و " لولا " هذه تختصُّ بالمبتدأ ، ولا يجوزُ أَنْ يلَيها الأفعالُ ، فإنْ وَرَدَ ما ظاهرُه ذلك أُوِّلَ كقولِه :
ولولا يَحْسِبون الحِلْم عَجْزاً *** لَمَا عَدِم المُسيئون احتمالي
وتأويلُه أن الأصلَ : ولولا أن يَحْسِبِوا ، فلمَّا حُذِفَتْ ارتفع الفعلُ كقوله :
ألا أيُّهذا الزاجري أحضرُ الوغى *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أي : أَنْ أَحضرَ ، والمرفوعُ بعدها مبتدأٌ خلافاً للكسائي حيث رَفَعَهُ بفعلٍ مضمر ، وللفراء حيث قال : " مرفوعٌ بنفس لولا " ، وخبرُه واجبُ الحذف/ للدلالةِ عليه وسَدِّ شيءٍ مَسَدَّه وهو جوابُها ، والتقديرُ : ولولا فضلُ اللهِ كائنٌ أو حاصل ، ولا يجوز أن يُثْبَتَ إلا في ضرورة شعر ، ولذلك لُحِّن المعري في قوله :
يُذيبُ الرُّعْبُ منه كلَّ عَضْبٍ *** فلولا الغِمْدُ يُمْسِكُه لَسالا
حيث أَثْبتَ خبرَها بعدها ، هكذا أطلقوا . وبعضُهم فصَّل فقال : " إنْ كان خبرُ ما بعدها كوناً مطلقاً فالحذفُ واجبٌ ، وعليه جاء التنزيلُ وأكثرُ الكلام ، وإن كان كوناً مقيداً فلا يَخْلو : إمّا أَنْ يَدُل عليه دليلُ أو لا ، فإنْ لم يَدُلَّ عليه دليلٌ وجَبَ ذِكْرُه ، نحو قولِه عليه السلامُ : " لولا قومُكِ حديثو عهدٍ بكفر " وقولِ الآخر :
فلولا بَنُوها حولَها لَخَبَطْتُها *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وإنْ دَلَّ عليه دليلٌ جاز الذكرُ والحذف ، نحو : لولا زيدٌ لغُلِبْنا ، أي شجاع ، وعليه بيتُ المعري المتقدِّم ، وقال أبو البقاء : " ولَزِمَ حَذْفُ الخبر للعلمِ به وطولِ الكلام ، فإن وَقَعَتْ " أَنْ " بعدها ظَهَر الخبرُ ، كقولِه : " فلولا أنَّه كان من المُسَبِّحين " فالخبرُ في اللفظ ل " أنَّ " وهذا الذي قاله مُوْهمٌ ، ولا تعلُّق لخبرِ " أنَّ " بالخبر المحذوف ولا يُغْني عنه البتةَ فهو كغيرِه سواء ، والتقدير : فلولا كونُه مُسَبِّحاً حاضرٌ أو موجود ، فأيُّ فائدةٍ في ذكره لهذا ؟ والخبرُ يجب حَذْفُه في صورٍ أخرى ، يطولُ الكتابُ بِذِكْرِها وتفصيلِها ، وإنما تأتي إن شاء اللهُ مفصَّلةً في مواضعها . وقد تقدَّم معنى الفضلِ عند قوله { فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } [ البقرة : 47 ] .
قوله : { لَكُنْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ } اللامُ جوابُ لولا . واعلم أنَّ جوابَها إن كان مُثْبَتَاً فالكثيرُ دخولُ اللامِ كهذه الآيةِ ونظائِرها ، ويَقِلُّ حَذْفُها ، قال :
لَوْلا الحياءُ وباقي الدينِ عِبْتُكُما *** ببعضِ ما فيكما إذْ عِبْتُما عَوَري
وإنْ كان منفيَّاً فلا يَخْلُو : إمَّا أَنْ يكونَ حرفُ النفي " ما " أو غيرَها ، إن كان غيرَها فتركُ اللام واجبٌ نحو : لولا زيدٌ لم أقم ، أو لن أقوم ، لئلاَّ يتوالى لامان ، وإن كان ب " ما " فالكثيرُ الحَذْفُ ، ويَقِلُّ الإِتيانُ بها ، وهكذا حكمُ جوابِ " لو " الامتناعية ، وقد تقدَّم عند قولِه : { وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } [ البقرة : 20 ] ولا محلَّ لجوابِها من الإِعرابِ . و { مِّنَ الْخَاسِرِينَ } في محلِّ نصبٍ خبراً ل " كان " ، ومِنْ للتبعيض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.