محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞قُلۡ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَابٖ شَدِيدٖ} (46)

{ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لله } أي بخصلة واحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وقد فسرها بقوله { أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى } أي قياما لله خالصا بلا محاباة / ولا مراءاة ، اثنين اثنين وواحدا واحدا { ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا } أي في أمره صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الهدى والإصلاح وتهذيب الأخلاق ، ورفع النفس عن عبادة ما هو أحط منها من الأوثان ، إلى عبادة فاطر الأرض والسماوات ، واتباع الأحسن ، ونبذ التقاليد ، وإنزال الرؤساء إلى مصاف المرؤوسين رغبة في الإخاء والمساواة ، إلى غير ذلك من محاسن الإسلام وخصائصه المعروفة في الكتب المؤلفة في ذلك . وقوله تعالى : { ما بصاحبكم من جنة } أي جنون . مستأنف منبه لهم على أن ما عرفوه من رجاحة عقله كاف في ترجح صدقه . فإنه لا يدعه يتصدى لادعاء أمر خطير وخطب عظيم من غير تحقق وثوق ببرهان . فيفتضح على رؤوس الأشهاد ، ويلقي نفسه إلى الهلاك . فكيف وقد انضم إليه معجزات كثيرة ؟ وجوّز كون الجملة معلقا عنها . لقول ابن مالك : إن ( تفكر ) يعلق حملا على أفعال القلوب . والتعبير عنه صلى الله عليه وسلم ب { صاحبهم } ، للإيماء أن حاله معروف مشهور بينهم . لأنه نشأ بين أظهرهم معروفا بقوة العقل ورزانة الحلم وسداد القول والفعل . { إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } وهو عذاب الآخرة والمآل .