محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ وَكُفۡرِهِم بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَقَتۡلِهِمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَقَوۡلِهِمۡ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَلۡ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيۡهَا بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (155)

ثم بين تعالى ما أوجب لعنهم وطردهم ومسخهم من مخالفتهم بقوله :

( فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا155 ) .

( فبما نقضهم ميثاقهم ) ( ما ) مزيدة للتأكيد ، أو نكرة تامة . و ( نقضهم ) بدل منها . والباء متعلقة بفعل محذوف . أي فبسبب نقضهم ميثاقهم الذي أخذ عليهم ، فعلنا بهم ما فعلنا من اللعن والمسخ وغيرهما من العقوبات النازلة عليهم ، أو على أعقابهم ( وكفرهم بآيات الله ) أي : حججه وبراهينه والمعجزات التي شاهدوها على يد الأنبياء عليهم السلام ( وقتلهم الأنبياء ) كزكريا ويحيى عليهما السلام .

قال العلامة البقاعي : وهو أعظم من مطلق كفرهم . لأن ذلك سد لباب الإيمان عنهم وعن غيرهم . لأن الأنبياء سبب الإيمان . ولما كان الأنبياء معصومين من كل نقيصة ، ومبرأين من كل دنية ، لا يتوجه عليهم حق لا يؤدونه ، قال تعالى : ( بغير حق ) أي : كبير ولا صغير أصلا . وهذا الحرف لكونه في سياق طعنهم في القرآن ، الذي هو أعظم الآيات ، وقع التعبير فيه بأبلغ مما في آل عمران . لأن هذا مع جمع الكثرة ، وتنكير الحق ، عبر فيه بالمصدر ، المفهم لأن الاجتراء على القتل صار لهم خلقا وصفة راسخة . بخلاف ما مضى . فإنه بالمضارع الذي ربما دل على العروض . ثم ذكر أعظم من ذلك كله وهو إسنادهم عظائمهم إلى الله تعالى فقال : ( وقولهم قلوبنا غلف ) جمع ( أغلف ) أي : هي مغشاة بأغشية جبلية لا يكاد يصل إليها ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . كما قال تعالى : ( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه . . . ) الآية{[2408]} . أي : فلا ذنب لنا : لأن قلوبنا خلقت بعيدة عن فهم ما يقول الأنبياء . وذلك سبب قتلهم ورد قولهم . وهذا بعد أن كانوا يقرون بهذا النبي الكريم ويشهدون له بالرسالة ، وبأنه خاتم الأنبياء ، ويصفونه بأشهر صفاته ويترقبون إتيانه . لا جرم رد الله عليهم بقوله : عطفا على ما تقديره ( وقد كذبوا ) لأنهم ولدوا على الفطرة كسائر الولدان . فلم تكن قلوبهم في الأصل غلفا ( بل طبع الله عليها بكفرهم ) أي : ليس كفرهم ، وعدم وصول الحق إلى قلوبهم لكونها غلفا بحسب الجبلة . بل الأمر بالعكس . حيث ختم الله عليها بسبب كفرهم . لأنه خلقها أولا على الفطرة متمكنة من اختيار الخير والشر . فلما أعرضوا بما هيأ قلوبهم له من قبول النقص عن الخير ، واختاروا الشر بإتباع شهواتهم الناشئة من نفوسهم ، وتركوا ما تدعو إليه عقولهم ، طبع سبحانه عليها فجعلها قاسية محجوبة . ولذا سبب عنه قوله : ( فلا يؤمنون إلا قليلا ) منهم . كعبد الله بن سلام وأضرابه . أو : إلا إيمانا قليلا لا يعبأ به لتمرن قلوبهم على الكفر والطغيان .


[2408]:|41/ فصلت/ 5| (... وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل اننا عاملون5).