ثم بين تعالى ما أوجب لعنهم وطردهم ومسخهم من مخالفتهم بقوله :
( فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا155 ) .
( فبما نقضهم ميثاقهم ) ( ما ) مزيدة للتأكيد ، أو نكرة تامة . و ( نقضهم ) بدل منها . والباء متعلقة بفعل محذوف . أي فبسبب نقضهم ميثاقهم الذي أخذ عليهم ، فعلنا بهم ما فعلنا من اللعن والمسخ وغيرهما من العقوبات النازلة عليهم ، أو على أعقابهم ( وكفرهم بآيات الله ) أي : حججه وبراهينه والمعجزات التي شاهدوها على يد الأنبياء عليهم السلام ( وقتلهم الأنبياء ) كزكريا ويحيى عليهما السلام .
قال العلامة البقاعي : وهو أعظم من مطلق كفرهم . لأن ذلك سد لباب الإيمان عنهم وعن غيرهم . لأن الأنبياء سبب الإيمان . ولما كان الأنبياء معصومين من كل نقيصة ، ومبرأين من كل دنية ، لا يتوجه عليهم حق لا يؤدونه ، قال تعالى : ( بغير حق ) أي : كبير ولا صغير أصلا . وهذا الحرف لكونه في سياق طعنهم في القرآن ، الذي هو أعظم الآيات ، وقع التعبير فيه بأبلغ مما في آل عمران . لأن هذا مع جمع الكثرة ، وتنكير الحق ، عبر فيه بالمصدر ، المفهم لأن الاجتراء على القتل صار لهم خلقا وصفة راسخة . بخلاف ما مضى . فإنه بالمضارع الذي ربما دل على العروض . ثم ذكر أعظم من ذلك كله وهو إسنادهم عظائمهم إلى الله تعالى فقال : ( وقولهم قلوبنا غلف ) جمع ( أغلف ) أي : هي مغشاة بأغشية جبلية لا يكاد يصل إليها ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . كما قال تعالى : ( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه . . . ) الآية{[2408]} . أي : فلا ذنب لنا : لأن قلوبنا خلقت بعيدة عن فهم ما يقول الأنبياء . وذلك سبب قتلهم ورد قولهم . وهذا بعد أن كانوا يقرون بهذا النبي الكريم ويشهدون له بالرسالة ، وبأنه خاتم الأنبياء ، ويصفونه بأشهر صفاته ويترقبون إتيانه . لا جرم رد الله عليهم بقوله : عطفا على ما تقديره ( وقد كذبوا ) لأنهم ولدوا على الفطرة كسائر الولدان . فلم تكن قلوبهم في الأصل غلفا ( بل طبع الله عليها بكفرهم ) أي : ليس كفرهم ، وعدم وصول الحق إلى قلوبهم لكونها غلفا بحسب الجبلة . بل الأمر بالعكس . حيث ختم الله عليها بسبب كفرهم . لأنه خلقها أولا على الفطرة متمكنة من اختيار الخير والشر . فلما أعرضوا بما هيأ قلوبهم له من قبول النقص عن الخير ، واختاروا الشر بإتباع شهواتهم الناشئة من نفوسهم ، وتركوا ما تدعو إليه عقولهم ، طبع سبحانه عليها فجعلها قاسية محجوبة . ولذا سبب عنه قوله : ( فلا يؤمنون إلا قليلا ) منهم . كعبد الله بن سلام وأضرابه . أو : إلا إيمانا قليلا لا يعبأ به لتمرن قلوبهم على الكفر والطغيان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.