محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ قَالَ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (34)

[ 34 ] { ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون 34 } .

[ 35 ] { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون 35 } .

{ ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا } أي الإحياء إحياء { بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون *فاصبر } أي على تبليغ الرسالة وتكذيبهم وإيذائهم { كما صبر أولوا العزم من الرسل } أي : أولو الثبات والجد منهم ، فإنك منهم . والعزم – في اللغة- كالعزيمة ، ما عقدت قلبك عليه من أمر . والعزم أيضا القوة على الشيء والصبر عليه . فالمراد به هنا المجتهدون ، المجدّون ، أو الصابرون على أمر الله فيما عهده إليهم ، وقدره وقضاه عليهم . ومطلق الجد والجهد والصبر موجود في جميع الرسل ، بل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وكثير من الأولياء . فلذا ذهب جمهور المفسرين في هذه الآية إلى أنهم جميع الرسل ، وأن ( من ) بيانية لا تبعيضية ، فكل رسول من أولي العزم . فإن أريد به معنى مخصوص ببعضهم ، فلا بد من بيانه ليظهر وجه التخصيص . ومنشأ الاختلاف في عددهم إلى أقوال : أحدها – أنهم جميع الرسل . والثاني – أنهم أربعة : نوح وإبراهيم وموسى ومحمد . والثالث- أنهم خمسة بزيادة عيسى ، كما قيل :

أولي العزم نوح والخليل الممجّد*** وموسى وعيسى والنبي محمد

والرابع – أنهم ستة ، بزيادة هرون أو داود . والخامس – أنهم سبعة بزيادة آدم . والسادس – أنهم تسعة ، بزيادة إسحاق ويعقوب ويوسف . وقد يزاد وينقص .

/ وتوجيه التخصيص أن المراد بهم من له جد وجهد تام في دعوته إلى الحق ، وذبه عن حريم التوحيد ، وحمى الشريعة ، بحيث يصبر على ما لا يطيقه سواه من عوارضه النفسية والبدنية ، وأموره الخارجية ، كمبارزة كل أهل عصره ، كما كان لنوح . أو لملك جبار في عصره ، وانتصاره عليه من غير عدة دنيوية ، كنمرود إبراهيم ، وجالوت داود ، وفرعون موسى . ولكل موسى فرعون . ولكل محمد أبو جهل . وكالابتلاء بأمور لا يصبر عليها البشر بدون قوة قدسية ، ونفس ربانية ، كما وقع لأيوب عليه الصلاة والسلام . ومن هنا كشف برقع الخفاء عن وجه التخصيص ، وهذا مما كشفت بركاتهم سره – أفاده الشهاب – { ولا تستعجل لهم } أي ولا تستعجل بمساءلتك ربك العذاب لهم ، فإن ذلك نازل بهم لا محالة ، وإن اشتد عليك الأمر من جهتهم . { كأنهم يوم يرون ما يوعدون } أي من عذاب الله ونكاله وخزيه الذي ينزل بهم في الدنيا أو في الآخرة { لم يلبثوا إلا ساعة من نهار } أي لأنه ينسيهم شدة ما ينزل بهم من عذابه ، قدر ما كانوا في الدنيا لبثوا ، ومبلغ ما فيها مكثوا .

وقوله تعالى : { بلاغ } قال ابن جرير :{[6581]} فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون معناه : لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ، ذلك لبث بلاغ ، بمعنى : ذلك بلاغ لهم في الدنيا إلى أجلهم ، ثم حذف ( ذلك لبث ) ، وهي مرادة في الكلام اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليها .

والآخر – أن يكون معناه : هذا القرآن والتذكير بلاغ لهم وكفاية ، إن فكروا واعتبروا ، فتذكروا . انتهى .

وأشار المهايميّ إلى معنى آخر فقال : ليس من حق الرسل الاستعجال ، بل حقهم بلاغ .

{ فهل يهلك } أن بعذاب الله إذا أنزله بمقتضى العدل والحكمة { إلا القوم الفاسقون } أي الذين خالفوا أمره ، وخرجوا من طاعته . نعوذ بالله من غضبه ، وأليم عقابه .


[6581]:انظر الصفحة رقم 38 من الجزء السادس والعشرين(طبعة الحلبي الثانية(.