محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ كَذَٰلِكَ يَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (125)

[ 125 ] { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ( 125 ) } .

{ فمن يرد الله أن يهديه } أي : للتوحيد { يشرح } أي : يوسع { صدره للإسلام } بتصقيله بنور الهداية ، فيقبل نور الحق ، كما قال تعالى : { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم }{[3684]} .

/ روى عبد الرزاق أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية : " كيف يشرح صدره ؟ قال : نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح . قالوا : فهل لذلك من أمارة يعرف بها ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت " . ورواه ابن جرير{[3685]} وابن أبي حاتم . قال ابن كثير : وللحديث طرق مرسلة ومتصلة يشد بعضها بعضا .

{ ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا } أي : شديد الضيق ، فلا يتسع للاعتقادات الصائبة في الله . والأمور الأخروية .

قال أبو البقاء : { حرجا } ( بكسر الراء ) صفة ل { ضيقا } ، أو مفعول ثالث ، كما جاز في المبتدأ أن تخبر عنه بعدة أخبار . أو يكون الجميع في موضع خبر واحد ، ك ( حلو حامض ) . وعلى كل تقدير ، هو مؤكد للمعنى . ويقرأ بفتح الراء ، على أنه مصدر . أي : ذا حرج . وقيل : هو جمع حرجة ، مثل قصبة وقصب ، والهاء فيه للمبالغة . انتهى .

وقوله تعالى : { كأنما يصعد في السماء } أي : يتكلف الصعود في جهة السماء ، وطبعه يهبط إلى الأرض ، فشبه ، للمبالغة في ضيق صدره ، بمن يزاول أمرا غير ممكن . لأن صعود السماء مثل فيما يمتنع ويبعد من الاستطاعة ، وتضيق عنه المقدرة . وقيل : معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق ، وتباعدا في الهرب منه . وأصل { يصعد } يتصعد من ( الصعود ) .

{ كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } في الاعتقادات والأخلاق . والرجس ما استقذر من العمل ، وسمي بذلك مبالغة في ذمه .


[3684]:- [49/ الحجرات/ 7] ونصها: {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون (7)}.
[3685]:- [49/ الحجرات/ 7] ونصها: {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون (7)}.