تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (83)

بالبينات : الآيات الواضحة .

وحاق بهم : أحاط بهم .

وتلك الأمم السابقة حين جاءتهم رسُلهم بالشرائع والمعجزات الواضحة ، فرحوا بما عندهم من علوم الدنيا ، واستهزأوا بالمرسَلين ، فنزل بهم العذابُ وأحاط بهم .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (83)

{ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات } المعجزات أو الآيات الواضحات الشاملة لذلك { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ العلم } ذكر فيه ستة أوجه . الأول : أن المراد بالعلم عقائدهم الزائغة وشبههم الداحضة فيما يتعلق بالمبدأ والمعاد وغيرهما أو عقائدهم المتعلقة بأحوال الآخرة كما هو ظاهر كلام الكشاف ، والتعبير عن ذلك بالعلم على زعمهم للتهكم كما في قوله تعالى : { بَلِ ادرك عِلْمُهُمْ فِى الاخرة } [ النمل : 66 ] .

والمعنى أنهم كانوا يفرحون بذلك ويستحقرون له علم الرسل عليهم السلام ويدفعون به البينات . الثاني : أن المراد به علم الفلاسفة والدهريين من بني يونان على اختلاف أنواعه فكانوا إذا سمعوا بوحي الله تعالى دفعوه وصغروا علم الأنبياء عليهم السلام إلى ما عندهم من ذلك . وعن سقراط أنه سمع بموسى عليه الصلاة والسلام ، وقيل له : لو هاجرت إليه فقال : نحن قوم مهذبون فلا حاجة لنا إلى من يهذبنا . والزمان متشابه فقد رأينا من ترك متابعة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم واستنكف عن الانتساب إلى شريعة أحد منهم فرحاً بما لحس من فضلات الفلاسفة وقال : إن العلم هو ذاك دون ما جاء به الرسل صلوا ت الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين . الثالث : أن أصل المعنى فلما جاءتهم رسلهم بالبينات لم يفرحوا بما جاءهم من العلم فوضعوا موضعه فرحوا بما عندهم من الجهل ثم سمي ذلك الجهل علماً لاغتباطهم به ووضعهم إياه مكان ما ينبغي لهم من الاغتباط بما جاءهم من العلم ، وفيه التهكم بفرط جهلهم والمبالغة في خلوهم من العلم ، وضمير { فَرِحُواْ } و { عِندَهُمُ } على هذه الأوجه للكفرة المحدث عنهم .

الرابع : أن يجعل ضمير { فَرِحُواْ } للكفرة وضمير { عِندَهُمُ } للرسل عليهم السلام ، والمراد بالعلم الحق الذي جاء المرسلون به أي فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك منه واستهزاء به ، وخلاصته أنهم استهزؤا بالبينات وبما جاء به الرسل من علم الوحي ، ويؤيد هذا قوله تعالى : { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ } .

الخامس : أن يجعل الضمير أن للرسل عليهم السلام ، والمعنى أن الرسل لما رأوا جهل الكفرة المتمادي واستهزاءهم بالحق وعلموا سوء عاقبتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم واستهزائهم فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله تعالى وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم ، وحكي هذا عن الجبائي السادس : أن يجعل الضميران للكفار ، والمراد بما عندهم من العلم علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها كما قال تعالى : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الحياة الدنيا وَهُمْ عَنِ الاخرة هُمْ غافلون } [ الروم : 7 ] { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مّنَ العلم } [ النجم : 30 ] فلما جاءهم الرسل بعلم الديانات وهي أبعد شيء من علمهم لبعثها على رفض الدنيا والظلف عن الملاذ والشهوات لم يلتفتوا إليها وصغروها واستهزؤا بها واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم ففرحوا به ، قال صاحب الكشف : والأرجح من بين هذه الأوجه الستة الثالث ففيه التهكم والمبالغة في خلوهم من العلم ومشتمل على ما يشتمل عليه الأول وزيادة سالم عن عدم الطباق للواقع كما في الثاني وعن قصور العبارة عن الأداء كالرابع وعن فك الضمائر كما في الخامس ، والسادس قريب لكنه قاصر عن فوائد الثالث انتهى فتأمله جداً .

وأبو حيان استحسن الوجه السادس وتعقب الوجه الثالث بأنه لا يعبر بالجملة الظاهر كونها مثبتة عن الجملة المنفية إلا في قليل من الكلام نحو شر أهر ذا ناب على خلاف فيه ، ولما آل أمره إلى الإثبات المحصور جاز ، وأما الآية فينبغي أن لا تحمل على القليل لأن في ذلك تخليطاً لمعاني الجمل المتباينة فلا يوثق بشيء منها ، وأنت تعلم أنه لا تباين معنى بين لم يفرحوا بما جاءهم من العلم و { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ العلم } على ما قرر . نعم هذا الوجه عندي مع ما فيه من حسن لا يخلو عن بعد ، وكلام صاحب الكشف لا يخلو عن دغدغة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (83)

ثم ذكر جرمهم الكبير فقال : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } من الكتب الإلهية ، والخوارق العظيمة ، والعلم النافع المبين ، للهدي من الضلال ، والحق من الباطل { فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } المناقض لدين الرسل .

ومن المعلوم ، أن فرحهم به ، يدل على شدة رضاهم به ، وتمسكهم ، ومعاداة الحق ، الذي جاءت به الرسل ، وجعل باطلهم حقًا ، وهذا عام لجميع العلوم ، التي نوقض بها ، ما جاءت به الرسل ، ومن أحقها بالدخول في هذا ، علوم الفلسفة ، والمنطق اليوناني ، الذي رُدَّت به كثير من آيات القرآن ، ونقصت قدره في القلوب ، وجعلت أدلته اليقينية القاطعة ، أدلة لفظية ، لا تفيد شيئًا من اليقين ، ويقدم عليها عقول أهل السفه والباطل ، وهذا من أعظم الإلحاد في آيات الله ، والمعارضة لها ، والمناقضة ، فالله المستعان .

{ وَحَاقَ بِهِمْ } أي : نزل { مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } من العذاب .