السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَلَمَّا جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (83)

{ فلما جاءتهم رسلهم } أي : الذين قد أرسلناهم إليهم وهم يعرفون صدقهم وأماناتهم { بالبينات } أي : المعجزات الظاهرات الدالة على صدقهم لا محالة واختلف في عود ضمير فرحوا في قوله تعالى : { فرحوا بما عندهم من العلم } على وجهين ؛ أحدهما : أنه عائد إلى الكفار واختلف في ذلك العلم الذي فرحوا به فقيل : هو الأشياء التي كانوا يسمونها علماً وهي الشبهات المحكية عنهم في القرآن كقولهم : { ما يُهلكنا إلا الدهر } ( الجاثية : 24 ) وقولهم : { لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا } ( الأنعام : 148 )

وقولهم : { من يحيي العظام وهي رميم } ( يس : 78 ) { ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً } ( الكهف : 36 ) فكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به علوم الأنبياء كما قال تعالى : { كل حزب بما لديهم فرحون } ( الروم : 32 ) وقيل : المراد علم الفلاسفة فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله تعالى دفعوه وصغروا علوم الأنبياء عن علومهم ، كما روي عن بقراط أنه سمع بمجيء بعض الأنبياء عليهم السلام فقيل له : لو هاجرت إليه فقال : نحن قوم مهتدون فلا حاجة بنا إلى من يهدينا . وقيل : المراد علمهم بأمر الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها كقوله تعالى : { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } ( الروم : 7 ) { ذلك مبلغهم من العلم } ( النجم : 29 ) فلما جاءت الرسل عليهم السلام بعلوم الديانات ومعرفة الله عز وجل ومعرفة المعاد وتطهير النفس من الرذائل لم يلتفتوا إليها واستهزؤوا بها واعتقدوا أن لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم ففرحوا به ، ويجوز أن يكون المراد علم الأنبياء وفرح الكفار به ضحكهم واستهزاؤهم به ويؤيده قوله تعالى : { وحاق } أي : أحاط على وجه الشدة { بهم ما كانوا به يستهزئون } أي : من الوعيد الذي كانوا قاطعين ببطلانه ، والوجه الثاني : أنه عائد على الرسل وفيه وجهان ؛ أحدهما : أن تفرح الرسل إذا رأوا من قوم جهلاً كاملاً وإعراضاً عن الحق وعلموا سوء غفلتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم وإعراضهم فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله تعالى وحاق بالجاهلين جزاء جهلهم واستهزائهم ، الثاني : أن المراد أن الرسل فرحوا بما عند الكفار من العلم فرح ضحك واستهزاء .