الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَلَمَّا جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (83)

قوله : { بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ الْعِلْمِ } : فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنه تهكُّمٌ بهم . والمعنى : ليس عندهم علمٌ . الثاني : أنَّ ذلك جاء على زَعْمِهم أنَّ عندهم عِلْماً يَنْتَفعون به . الثالث : أنَّ " مِنْ " بمعنى بَدَل أي : بما عندهم من الدنيا بدلَ العلمِ . وعلى هذه الأوجه فالضميران للكفارِ . الرابع :/ أَنْ يكونَ الضَميران للرسل أي : فَرِحَ الرسُل بما عندهم من العلم . الخامس : أنَّ الأولَ للكفارِ ، والثاني للرسل ، ومعناه : فَرِحَ الكفارُ فَرَحَ ضَحِكٍ واستهزاءٍ بما عند الرسُلِ مِن العلمِ ، إذ لم يَأْخُذوه بقَبولٍ ويمتثِلوا أوامرَ الوحيِ ونواهيه . وقال الزمخشري : " ومنها - أي من الوجوه - أَنْ يُوْضَعَ قولُه : { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ الْعِلْمِ } مبالغةً في نَفْيِ فَرَحِهم بالوحيِ الموجِبِ لأَقْصى الفرحِ والمَسَرَّةِ مع تهكُّمٍ بفَرْطِ خُلُوِّهم من العلم وجَهْلِهم " . قال الشيخ : " ولا يُعَبَّرُ بالجملةِ الظاهرِ كونُها مُثْبتةً عن الجملةِ المنفيةِ ، إلاَّ في قليلٍ من الكلام نحو : " شَرٌّ أهرَّ ذا نابٍ " ، على خلافٍ فيه ، ولما آلَ أمرُه إلى الإِثباتِ المحصورِ جازَ . وأمَّا في الآيةِ فينبغي أَنْ لا يُحْمَلَ على القليلِ ؛ لأن في ذلك تَخْليطاً لمعاني الجملِ المتباينةِ .