{ عاديتم منهم } : أي من كفار قريش بمكة طاعة لله واستجابة لأمره .
{ مودة } : أي محبة وولاء وذلك بأن يوفقهم للإِيمان والإِسلام فيؤمنوا ويسلموا ويصبحوا أولياءكم .
{ والله قدير } : أي على ذلك وقد فعل فأسلم بعد الفتح أهل مكة إلا قليلاً منهم .
ما زال السياق الكريم في بيان حكم الموالاة للكافرين فإنه لما حرم تعالى ذلك ، وكان للمؤمنين قرابات كافرة وبحكم إيمانهم واستجابتهم لنداء ربهم .
قاطعوهم فَبَشَّرَهُم تعالى في هذه الآية الكريمة بأنه عز وجل قادر على أن يجعل بينهم وبين أقربائهم مودة فقال عز من قائل : { عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم } أي من المشركين { مودة } . وذلك بأن يوفقهم للإِسلام ، وهو على ذلك قدير وقد فعل وله الحمد والمنة فقد فتح على رسوله مكة وبذلك آمن أهلها إلى قليلاً فكانت المودة وكان الولاء والإِيخاء مصداقاً لقوله عز وجل عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ، والله غفور رحيم فقد تاب عليهم بعد أن هداهم وغفر لهم ما كان منهم من ذنوب ورحمهم .
ولما نزلت عادى المسلمون أقرباءهم من المشركين فعلم الله شدة وجد المسلمين في ذلك فنزلت : { عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة } وهذا بأن يسلم الكافر ، وقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة وخالطهم المسلمون ، كأبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام . وقيل : المودة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فلانت عند ذلك عَرِيكَة{[14900]} أبي سفيان ، واسترخت شكيمته في العداوة . قال ابن عباس : كانت المودة بعد الفتح تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وكانت تحت عبدالله بن جحش ، وكانت هي وزوجها من مهاجرة الحبشة ، فأما زوجها فتنصر وسألها أن تتابعه على دينه فأبت وصبرت على دينها ، ومات زوجها على النصرانية . فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي فخطبها ، فقال النجاشي لأصحابه : من أولاكم بها ؟ قالوا : خالد بن سعيد بن العاص ، قال فزوجها من نبيكم . ففعل ، وأمهرها النجاشي من عنده أربعمائة دينار . وقيل : خطبها النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان ، فلما زوجه إياها بعث إلى النجاشي فيها ، فساق عنه المهر وبعث بها إليه ، فقال أبو سفيان وهو مشرك لما بلغه تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته : ذلك الفحل لا يُقْدَع أنفه . " يقدع " بالدال غير المعجمة ، يقال : هذا فحل لا يُقْدَع أنفه ، أي لا يضرب أنفه ، وذلك إذا كان كريما .
ولما أتم وعظهم بما هو الأنفع والأقرب إلى صلاحهم ففعلوا ، وكان ذلك شاقاً لما جبل عليه البشر من حب ذوي الأرحام{[64554]} والعطف عليهم ، فتشوفت النفوس إلى تخفيف بنوع من الأنواع ، أتبعه الترجئة فيما قصده حاطب رضي الله عنه بغير الطريق الذي يتوصل به{[64555]} فقال على عادة الملوك في الرمز إلى ما {[64556]}يريدونه فيقنع{[64557]} الموعود به بل يكون ذلك الرمز عنده{[64558]} أعظم من البت من غيرهم لما لهم{[64559]} من العظمة التي تقتضي{[64560]} النزاهة عما يلم بشائبة نقص ، وذلك أعظم في الإيمان بالغيب لأن الوعود لا تزال بين خوف ورجاء جواباً لمن كأنه{[64561]} كان يقول : كيف يكون الخلاص من مثل هذه الواقعة وقد بنيت يا رب هذه الدار على حكمة الأسباب : { عسى الله } أي أنتم جديرون بأن تطمعوا في الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ، { أن يجعل } بأسباب لا تعلمونها { بينكم وبين } أي في جميع الحد الفاصل بين المجموعين أو بين كل شخصين من الجمعين ، { الذين عاديتم } أي بالمخالفة في الدين ، { منهم } أي من هؤلاء الذين عادوكم بما تقدم بأعيانهم{[64562]} من أهل مكة { مودة } وقد جعل ذلك عام الفتح تحقيقاً لما رجاه سبحانه ، وأجرى سنته{[64563]} الإلهية بأن من عاديته فيه جعل عاقبة ذلك إلى ولاية عظيمة ، ومن تهاونت{[64564]} في مقاطعته فيه{[64565]} سبحانه أقامه لك ضداً .
ولما كان التقدير : فالله بكم رفيق ، عطف عليه تذكيراً لهم بما له سبحانه من العظمة قوله{[64566]} { والله } أي الذي له{[64567]} الإحاطة بالكمال{[64568]} : { قدير } أي بالغ القدرة على كل ما يريده فهو يقدر على تقليب القلوب وتيسير العسير ، فلما تم الرجاء لم يبق إلا كدر الذنب فأتبعه تطييباً للقلوب مما نزلت هذه الآيات بسببه قوله : { والله } أي الذي له جميع صفات الكمال { غفور } أي محاء لأعيان الذنوب وآثارها{[64569]} { رحيم * } يكرم الخاطئين{[64570]} إذا أراد بالتوبة ثم{[64571]} بالجزاء غاية الإكرام ، قال الرازي في اللوامع : كان النبي صلى الله عليه وسلم {[64572]}استعمل أبا سفيان رضي الله عنه على بعض اليمن ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم{[64573]} أقبل فلقي ذا الحجار مرتداً فقاتله ، فكان أول من قاتل على الردة ، فتلك المودة بعد المعاداة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.