تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا} (26)

ظاهَروهم : عاونهم .

من أهل الكتاب : اليهود من بني قريظة .

من صياصيهم : من حصونهم ، واحدها صِيصِية وهي كل ما يُمتنع به .

قذف في قلوبهم الرعب : ألقى في قلوبهم الخوف الشديد .

انتهت المعركة مع الأحزاب من قريش وحلفائها وردّهم الله خائبين ، لكنّها لم تنتهِ مع اليهود من بني قريظة ، الذين نقضوا العهد مع رسول الله والمؤمنين . وكان الرسول لما قَدِم المدينة ، كتبَ كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادَعَ فيه اليهودَ وعاهدَهم ، وأقرّهم على دينهم وأموالهم ، وشَرَطَ لهم واشترط عليهم ، وجاء فيه : « إنه من تَبِعنا من يهودَ فإن له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم ، إن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، وإن قبائلَ يهودَ أئمة مع المؤمنين . لليهود دينُهم ، وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم . . . . وإن بينهم النصرَ على ما حارب أهل هذه الصحيفة وإن بينهم النُّصحَ والنصيحة ، والبِرّ دون الإثم ، وإن بينهم النصرَ على من دهم يثرب » .

والعهدُ طويلٌ موجود في سيرة ابن هشام وعدد من المراجع .

ولكن اليهودَ ، هم اليهود في كل زمان ومكان ، فقد نقضوا العهد واتفقوا مع قريش والأحزابِ على أن يهجُموا على المدينة من خلْفِ المسلمين . ولما علم رسول الله بذلك بعث سعدَ بن مُعاذ وسعدَ بن عبادة ، في رجالٍ من الأنصار ليتحققوا الخبر ، فوجدوهم على شرّ ما بلَغَهم عنهم ، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : من رسولُ الله ؟ لا عهدَ بيننا وبين محمد ولا عقد .

وهكذا حاولوا طعنَ المسلمين من الخلف ، ولكنّ الله خيبّهم ، إذ أنهم اختلفوا مع قريش وتحصنوا في حصونهم ولم يحاربوا .

فلما انصرف الرسولُ الكريم والمسلمون من الخندق راجعين إلى المدينة ، أمَرَ الرسول مؤذنا فأذن في الناس : إن من كان سميعاً مطيعاً فلا يصلِّيَنَّ العصرَ الا في بني قريظة .

ونزل رسول الله ببني قريظة فحاصرَهَم خمساً وعشرين ليلة حتى تعبوا وجَهَدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعبَ ، ونزلوا على حُكم سعد بن معاذ حَليفِهم . فحكم فيهم أن يُقتل الرجال ، وتقسَم الأموال ، وتسبى الدراري والنساء ، لأنهم لو نَفَّذوا عهدهم مع قريشٍ لقضَوا على المسلمين واستأصلوهم ، ولكن الله سلّم ونَصَرَ المسلمين { وَكَانَ الله قَوِيّاً عَزِيزاً } . وقد توفي سعدُ بن معاذ شهيدا من سهم أصابه في ذراعه رضي الله عنه .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا} (26)

{ وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم } الصياصي هي الحصون ، ونزلت الآية في يهود بني قريظة ، وذلك أنهم كانوا معاهدين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنقضوا عهده وصاروا مع قريش فلما انصرفت قريش عن المدينة حصر رسول الله بني قريظة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم بأن يقتل رجالهم ويسبى نساؤهم وذريتهم .

{ فريقا تقتلون } : يعني الرجال وقتل منهم يومئذ كل من أنبت وكانوا بين ثمانمائة أو تسعمائة .

{ وتأسرون فريقا } : يعني النساء والذرية .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا} (26)

ولما أتم{[55423]} أمر الأحزاب ، أتبعه حال الذين ألّبوهم{[55424]} ، وكانوا سبباً في إتيانهم كحيي بن أخطب والذين مالأوهم على ذلك ، ونقضوا ما كان لهم من عهد ، فقال : { وأنزل الذين ظاهروهم } أي عاونوا الأحزاب ، ثم بينهم بقوله مبعضاً{[55425]} : { من أهل الكتاب } وهم بنو قريظة ومن دخل معهم في حصنهم من بني النضير كحيي ، وكان ذلك بعد إخراج بني قينقاع وبني النضير { من صياصيهم } أي حصونهم العالية ، جمع صيصية وهي كل ما يتمنع به من قرون البقر وغيرها مما شبه بها من الحصون .

ولما كان الإنزال من محل التمنع{[55426]} عجباً ، وكان على وجوه شتى ، فلم يكن صريحاً في الإذلال ، فتشوفت النفس إلى بيان حاله ، بين أنه الذل فقال عاطفاً بالواو ليصلح لما قبل ولما{[55427]} بعد : { وقذف في قلوبهم الرعب } أي بعد الإنزال كما كان قذفه قبل الإنزال ، فلو قدم القذف على الإنزال لما أفاد هذه الفوائد ، {[55428]}ولا اشتدت ملاءمة{[55429]} ما بعده للإنزال .

ولما ذكر ما أذلهم به ، ذكر ما تأثر{[55430]} عنه مقسماً له فقال : { فريقاً } فذكره بلفظ الفرقة ونصبه ليدل بادئ بدء على أنه طوع لأيدي الفاعلين : { تقتلون } وهم الرجال ، وكان نحو سبعمائة . ولما بدأ بما دل على التقسيم{[55431]} مما منه الفرقة ، وقد أعظم الأثرين الناشئين عن الرعب ، أولاه الأثر الآخر ليصير الأثران المحبوبان محتوشين بما يدل على الفرقة فقال : { وتأسرون فريقاً } وهم الذراري والنساء ، ولعله أخر الفريق هنا ليفيد التخيير في أمرهم ، وقدم في الرجال لتحتم القتل فيهم .


[55423]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تم.
[55424]:في الأصل: أبوهم، وفي ظ وم ومد: اللبوهم ـ كذا بفك الإدغام.
[55425]:سقط من مد.
[55426]:من م ومد، وفي الأصل وظ: التمتع.
[55427]:في ظ ومد: ما.
[55428]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: اشتد ملا ـ كذا.
[55429]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: اشتد ملا ـ كذا.
[55430]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تؤثر.
[55431]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: النقيم.