تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

قُوا أنفسكم : احفظوها ، و اجعلوا لها وقاية من النار بترك المعاصي .

الوقود : حطب النار وكل ما توقد به .

الحجارة : الأصنام التي تعبد من دون الله .

غلاظ : شديدون لا يرحمون .

بعد أن عالجت الآياتُ السابقة ما يجري في بيوت النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعاتَبَ الله تعالى الرسولَ الكريم على تحريمه بعضَ ما أحلّ الله له ، كما شدّد على نسائه أن يلتزمن الطاعةَ والتوبة والإخلاصَ للرسول الكريم ، بيّن هنا للمؤمنين عامةً أن يحفظوا أنفسَهم وأهلِيهم من النار بالتزامِ طاعةِ الله ورسوله ، تلك النار التي سيكون وقودُها يومَ القيامة العصاةَ من الناس والحجارةَ التي كانت تُعبَد من دونِ الله كما قال تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] ، ويقومُ على أمر هذه النار ملائكةٌ شديدون ، يفعلون

ما يُؤمرون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

{ 6 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }

أي : يا من من الله عليهم بالإيمان ، قوموا بلوازمه وشروطه .

ف { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة ، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله ، والقيام بأمره امتثالًا ، ونهيه اجتنابًا ، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب ، ووقاية الأهل [ والأولاد ] ، بتأديبهم وتعليمهم ، وإجبارهم على أمر الله ، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه ، وفيما يدخل{[1163]}  تحت ولايته من الزروجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه .

ووصف الله النار بهذه الأوصاف ، ليزجر عباده عن التهاون بأمره فقال : { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } كما قال تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } .

{ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ } أي : غليظة أخلاقهم ، عظيم{[1164]}  انتهارهم ، يفزعون بأصواتهم ويخيفون{[1165]}  بمرآهم ، ويهينون أصحاب النار بقوتهم ، ويمتثلون{[1166]}  فيهم أمر الله ، الذي حتم عليهم العذاب{[1167]}  وأوجب عليهم شدة العقاب ، { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } وهذا فيه أيضًا مدح للملائكة الكرام ، وانقيادهم لأمر الله ، وطاعتهم له في كل ما أمرهم به .


[1163]:- في ب: وفيمن يدخل.
[1164]:- في ب: شديد.
[1165]:- في ب: ويزعجون.
[1166]:- في ب: وينفذون.
[1167]:- في ب: بالعذاب.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

قوله عز وجل :{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم } قال عطاء عن ابن عباس : أي بالانتهاء عما نهاكم الله تعالى عنه والعمل بطاعته ، { وأهليكم ناراً } يعني : مروهم بالخير وانهوهم عن الشر ، وعلموهم وأدبوهم ، تقوهم بذلك ناراً ، { وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة } يعني خزنة النار ، { غلاظ } ، فظاظ على أهل النار ، { شداد } أقوياء يدفع الواحد سبعين ألفاً في النار ، وهم الزبانية ، لم يخلق الله فيهم الرحمة . { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون }

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا } أي خذوا أنفسكم وأهليكم بما يقرب من الله تعالى وجنبوا أنفسكم وأهليكم المعاصي { وقودها الناس والحجارة } أي توقد بهذين الجنسين { عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } يعني خزنة جهنم

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا " فيه مسألة واحدة وهي الأمر بوقاية الإنسان نفسه وأهله النار . قال الضحاك : معناه قوا أنفسكم ، وأهلوكم فليقوا أنفسهم نارا . وروي علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : قوا أنفسكم وأمروا أهليكم بالذكر والدعاء حتى يقيهم الله بكم . وقال علي رضي الله عنه وقتادة ومجاهد : قوا أنفسكم بأفعالكم وقوا أهليكم بوصيتكم . ابن العربي : وهو الصحيح ، والفقه الذي يعطيه العطف الذي يقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في معنى الفعل ، كقوله :

علفتها تبنا وماء باردا{[15151]}

وكقوله :

ورأيتُ زوجك في الوغى *** متقلدا سيفا ورمحا

فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة ، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية . ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ) . وعن هذا عبر الحسن في هذه الآية بقوله : يأمرهم وينهاهم . وقال بعض العلماء لما قال : " قوا أنفسكم " دخل فيه الأولاد ؛ لأن الولد بعض منه . كما دخل في قوله تعالى : " ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم{[15152]} " [ النور : 61 ] فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات . فيعلمه الحلال والحرام ، ويجنبه المعاصي والآثام ، إلى غير ذلك من الأحكام . وقال عليه السلام : ( حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه إذا بلغ ) . وقال عليه السلام : ( ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن ) . وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ( مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ) . خرجه جماعة من أهل الحديث . وهذا لفظ أبي داود . وخرج أيضا عن سمرة بن جندب قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها ) . وكذلك يخبر أهله بوقت الصلاة ووجوب الصيام ووجوب الفطر إذا وجب ، مستندا في ذلك إلى رؤية الهلال . وقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوتر يقول : ( قومي فأوتري يا عائشة ) . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رحم الله امرأ قام من الليل فصلى فأيقظ أهله فإن لم تقم رش وجهها بالماء . رحم الله امرأة قامت من الليل تصلى وأيقظت زوجها فإذا لم يقم رشت على وجهه من الماء ) . ومنه قوله صلي الله عليه وسلم : ( أيقظوا صواحب الحجر ) . ويدخل هذا في عموم قوله تعالى : " وتعاونوا على البر والتقوى{[15153]} " [ المائدة : 2 ] . وذكر القشيري أن عمر رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية : يا رسول الله ، نقي أنفسنا ، فكيف لنا بأهلينا ؟ . فقال : ( تنهونهم عما نهاكم الله وتأمرونهم بما أمر الله ) . وقال مقاتل : ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه . قال الكيا : فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير ، وما لا يستغنى عنه من الأدب . وهو قوله تعالى : " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها{[15154]} " [ طه : 132 ] . ونحو قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم : " وأنذر عشيرتك الأقربين{[15155]} " . [ الشعراء : 214 ] . وفي الحديث : ( مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع ) .

قوله تعالى : " وقودها الناس والحجارة " " تقدم في سورة " البقرة " القول فيه{[15156]} . " عليها ملائكة غلاظ شداد " يعني الملائكة الزبانية غلاط القلوب لا يرحمون إذا استرحموا خلقوا من الغضب ، وحبب إليهم عذاب الخلق كما حبب لبني آدم أكل الطعام والشراب . " شداد " أي شداد الأبدان . وقيل : غلاظ الأقوال شداد الأفعال . وقيل غلاظ في أخذهم أهل النار شداد عليهم . يقال : فلان شديد على فلان ، أي قوي عليه يعذبه بأنواع العذاب . وقيل : أراد بالغلاظ ضخامة أجسامهم ، وبالشدة القوة . قال ابن عباس : ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة ، وقوة الواحد منهم أن يضرب بالمقمع فيدفع بتلك الضربة سبعين ألف إنسان في قعر جهنم . وذكر ابن وهب قال : وحدثنا عبدالرحمن بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خزنة جهنم : ( ما بين منكبي أحدهم كما بين المشرق والمغرب ) .

قوله تعالى : " لا يعصون الله ما أمرهم " أي لا يخالفونه في أمره من زيادة أو نقصان . " ويفعلون ما يؤمرون " أي في وقته ، فلا يؤخرونه ولا يقدمونه . وقيل أي لذتهم في امتثال أمر الله ، كما أن سرور أهل الجنة في الكون في الجنة ، ذكره بعض المعتزلة . وعندهم أنه يستحيل التكيف غدا . ولا يخفى معتقد أهل الحق في أن الله يكلف العبد اليوم وغدا ، ولا ينكر التكليف في حق الملائكة . ولله أن يفعل ما يشاء .


[15151]:رجز مشهور لم يعرف قائله. وتمامه: *حتى شتت همالة عيناها* راجع كتاب الإنصاف شرح الشواهد. وجـ 6 ص 95.
[15152]:راجع جـ 12 ص 314.
[15153]:راجع جـ 6 ص 46.
[15154]:راجع جـ 11 ص 263.
[15155]:راجع جـ 13 ص 143.
[15156]:راجع جـ 1 ص 235.