تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

لابثين : مقيمين .

أحقابا : واحدها : حُقب وحِقب ، وهو المدة الطويلة من الدهر .

حيث يستقرّون دهوراً متلاحقة كلّما انقضى زمن تجدَّد لهم زمن آخر .

قراءات :

قرأ حمزة وروح : لَبِثينَ بكسر الباء من غير ألف بعد اللام ، وقرأ الباقون : لابثين بألف بعد اللام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

وجعلها مثوى لهم ومآبا ، وأنهم يلبثون فيها أحقابا كثيرة و { الحقب } على ما قاله كثير من المفسرين : ثمانون سنة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"لابِثِينَ فِيها أحْقابا "يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الطاغين في الدنيا لابثون في جهنم، فماكثون فيها أحقابا...

وأما الأحقاب فجمع حُقْب، والحِقَب: جمع حِقْبة...

وقد اختلف أهل التأويل في مبلغ مدة الحُقُب...

عن سالم، قال: سمعت الحسن يُسْألُ عن قول الله: "لابِثِينَ فِيها أحْقابا" قال: أما الأحقاب فليس لها عدّة إلاّ الخلود في النار...

[عن] الربيع وقتادة قالا: إن هذه الأحقاب لا انقضاء لها ولا انقطاع.

وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك: لابثين فيها أحقابا، في هذا النوع من العذاب، هو أنهم: "لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدا وَلا شَرَابا إلاّ حَمِيما وغَسّاقا" فإذا انقضت تلك الأحقاب، صار لهم من العذاب أنواع غير ذلك، كما قال جلّ ثناؤه في كتابه: "وَإنّ للطّاغِينَ لَشَرّ مآبٍ جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ المِهادُ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَميمٌ وغَسّاقٌ وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ" وهذا القول عندي أشبه بمعنى الآية.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

واختلف العلماء في معنى الحقب فقال قوم: هو اسم للزمان والدّهر وليس له حدّ.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... {أَحْقَاباً} حقباً بعد حقب، كلما مضى حقب تبعه آخر إلى غير نهاية، ولا يكاد يستعمل الحقب والحقبة إلا حيث يراد تتابع الأزمنة وتواليها، والاشتقاق يشهد لذلك

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وأحقاب: جمع حُقُب بضمتين، وهو زمن طويل نحو الثمانين سنة، وتقدم في قوله: {أو أمضي حقباً} في سورة الكهف (60).

وجمعه هنا مراد به الطول العظيم لأن أكثر استعمال الحُقُب والأحقاب أن يكون في حيث يراد توالي الأزمان ويبين هذا الآيات الأخرى الدالة على خلود المشركين، فجاءت هذه الآية على المعروف الشائع في الكلام كناية به عن الدوام دون انتهاء.

وليس فيه دلالة على أن لهذا اللبث نهاية حتى يُحتاج إلى دعوى نسخ ذلك بآيات الخلود وهو وهم لأن الأخبار لا تنسخ، أو يحتاج إلى جعل الآية لعصاة المؤمنين، فإن ذلك ليس من شأن القرآن المكي الأول إذ قد كان المؤمنون أيامئذ صالحين مخلصين مجدِّين في أعمالهم.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

قوله تعالى : " لابثين فيها أحقابا " أي ماكثين في النار ما دامت الأحقاب ، وهي لا تنقطع ، فكلما مضى حقب جاء حقب . والحقب بضمتين : الدهر والأحقاب الدهور . والحقبة بالكسر : السنة ، والجمع حقب ، قال متمم بن نويرة التميمي :

وكنَّا كنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً *** من الدَّهْرِ حتى قيلَ لنْ يَتَصَدَّعَا

فلما تفرقنا كأنِّي ومالكاً *** لطولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ ليلةً مَعَا

والحقب بالضم والسكون : ثمانون سنة . وقيل : أكثر من ذلك وأقل ، على ما يأتي ، والجمع : أحقاب . والمعنى في الآية ، [ لابثين ]{[15745]} فيها أحقاب الآخرة التي لا نهاية لها ، فحذف الآخرة لدلالة الكلام عليه ؛ إذ في الكلام ذكر الآخرة وهو كما يقال أيام الآخرة ، أي أيام بعد أيام إلى غير نهاية ، وإنما كان يدل على التوقيت لو قال خمسة أحقاب أو عشرة أحقاب . ونحوه وذكر الأحقاب لأن الحقب كان أبعد شيء عندهم ، فتكلم بما تذهب إليه أوهامهم ويعرفونها ، وهي كناية عن التأبيد ، أي يمكثون فيها أبدا . وقيل : ذكر الأحقاب دون الأيام ؛ لأن الأحقاب أهول في القلوب ، وأدل على الخلود . والمعنى متقارب ، وهذا الخلود في حق المشركين . ويمكن حمل الآية على العصاة الذين يخرجون من النار بعد أحقاب . وقيل : الأحقاب وقت لشربهم الحميم والغساق ، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العقاب ؛ ولهذا قال : " لابثين فيها أحقابا . لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا . إلا حميما وغساقا " . و " لابثين " اسم فاعل من لبث ، ويقويه أن المصدر منه اللبث بالإسكان ، كالشرب . وقرأ حمزة والكسائي " لبثين " بغير ألف وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد ، وهما لغتان ، يقال : رجل لابث ولبث ، مثل طمع وطامع ، وفره وفاره . ويقال : هو لبث بمكان كذا : أي قد صار اللبث شأنه ، فشبه بما هو خلقة في الإنسان نحو حذر وفرق ؛ لأن باب فعل إنما هو لما يكون خلقة في الشيء في الأغلب ، وليس كذلك اسم الفاعل من لابث .

والحقب : ثمانون سنة في قول ابن عمر وابن محيصن وأبي هريرة ، والسنة ثلثمائة يوم وستون يوما ، واليوم ألف سنة من أيام الدنيا ، قاله ابن عباس . وروي ابن عمر هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو هريرة : والسنة ثلثمائة يوم وستون يوما كل يوم مثل أيام الدنيا . وعن ابن عمر أيضا : الحقب : أربعون سنة . السدي : سبعون سنة . وقيل : إنه ألف شهر . رواه أبو أمامة مرفوعا . بشير بن كعب : ثلاثمائة سنة . الحسن : الأحقاب لا يدري أحدكم هي ، ولكن ذكروا أنها مائة حقب ، والحقب الواحد منها سبعون ألف سنة ، اليوم منها كألف سنة مما تعدون . وعن أبي أمامة أيضا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الحُقُب الواحد ثلاثون ألف سنة ) ذكره المهدوي . والأول الماوردي . وقال قطرب : هو الدهر الطويل غير المحدود .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والله لا يخرج من النار من دخلها حتى يكون فيها أحقابا ، الحقب بضع وثمانون سنة ، والسنة ثلثمائة وستون يوما ، كل يوم ألف سنة مما تعدون ، فلا يتكلن أحدكم على أن يخرج من النار ) . ذكره الثعلبي . القُرظي : الأحقاب : ثلاثة وأربعون ، حقبا كل حقب سبعون خريفا ، كل خريف سبعمائة سنة ، كل سنة ثلثمائة وستون يوما ، كل يوم ألف سنة .

قلت : هذه أقوال متعارضة ، والتحديد في الآية للخلود ، يحتاج إلى توقيف يقطع العذر ، وليس ذلك بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم . وإنما المعنى - والله أعلم - ما ذكرناه أولا ، أي لابثين فيها أزمانا ودهورا ، كلما مضى زمن يعقبه زمن ، ودهر يعقبه دهر ، هكذا أبد الآبدين من غير انقطاع . وقال ابن كيسان : معنى " لابثين فيها أحقابا " لا غاية لها انتهاء ، فكأنه قال أبدا . وقال ابن زيد ومقاتل : إنها منسوخة بقوله تعالى : " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا " يعني أن العدد قد انقطع ، والخلود قد حصل .

قلت : وهذا بعيد ؛ لأنه خبر ، وقد قال تعالى : " ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " [ الأعراف : 40 ] على ما تقدم{[15746]} . هذا في حق الكفار ، فأما العصاة الموحدون فصحيح ويكون النسخ بمعنى التخصيص . والله أعلم . وقيل : المعنى " لابثين فيها أحقابا " أي في الأرض ؛ إذ قد تقدم ذكرها ويكون الضمير في " لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا " لجهنم . وقيل : واحد الأحقاب حقب وحقبة ، قال :

فإن تَنْأَ عنها حِقبةً لا تُلاَقِهَا *** فأنتَ بما أحدَثْتَهُ بالمُجَربِ

وقال الكميت{[15747]} :

مَرَّ لها بعد حِقْبَةٍ حِقَبُ


[15745]:[لابثين]: ساقط من أ، ز، ل، ط.
[15746]:راجع جـ 7 ص 206.
[15747]:صدر البيت: *ولا حمول غدت ولا دمن *
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

ولما{[71165]} ذكر مصيرهم إليها ذكر{[71166]} إقامتهم فيها فقال حالاً من ضمير " الطاغين " : { لابثين فيها } ولما كان جمع القلة يستعار للكثرة{[71167]} فكان الحقب يطلق على الزمان من غير حد ، ويطلق على زمان محدود ، فقيل على ثمانين سنة ، وعلى سبعين ألف سنة ، فكان السياق من تصدير السورة بالنبأ وبوصفه مع التعبير بالنبأ العظيم{[71168]} وما بعد ذلك يفهم أن المراد الدوام إن أريد ما لا حد له وأن المراد إن أريد المحدود جمع الكثرة ، وأكثر ما فسر به{[71169]} الحقب ، وأنه للمبالغة{[71170]} لا التحديد ، كان جمع القلة هنا غير مشكل ، فمن حمله على ما دون ذلك فكفاه زاجراً لم يضره التعبير به-{[71171]} ، ومن اجترأ عليه واستهان به كان فتنة له كما كان حصر عدد الخزنة للنار بتسعة عشر{[71172]} فلم يضر إلا نفسه ، فلذلك عبر عن ظرف اللبث بقوله{[71173]} : { أحقاباً * } أي دهوراً عظيمة متتابعة لا انقضاء لها على أن التعبير به - ولو حمل على الأقل وجعل منقضياً - لا ينافي ما صرح فيه بالخلود لأنه أثبت شيئاً ولم ينف ما فوقه ، وعن الحسن{[71174]} أنه قال-{[71175]} : لا يكاد يذكر الحقب إلا حيث يراد تتابع الأزمنة وتواليها من غير انقضاء .


[71165]:من ظ و م، وفي الأصل: ثم.
[71166]:من ظ و م، وفي الأصل: ذاكر.
[71167]:من ظ و م، وفي الأصل: لكثرة.
[71168]:في م: بالعظيم.
[71169]:من ظ و م، وفي الأصل: فيه.
[71170]:من ظ و م، وفي الأصل: المبالغة.
[71171]:زيد من ظ و م.
[71172]:من ظ و م، وفي الأصل: تسعة عشر.
[71173]:زيد يف الأصل: فيها، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[71174]:راجع المعالم 7/167.
[71175]:زيد من ظ.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

{ لابثين فيها أحقابا }

{ لابثين } حال مقدرة ، أي مقدَّراً لبثهم { فيها أحقاباً } دهوراً لا نهاية لها جمع حقب بضم أوله .