تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

ولا تمنن تستكثر : لا تمنَّ بعملك على غيرك ، ومعنى تستكثر : لا تستكثر

ما أعطيتَ وبذلت .

ولا تمنُنْ على أصحابك فيما تعلّمهم وتبلّغهم عن الوحي مستكثراً ذلك عليهم ، ولا تستكثر أي شيء بَذَلْتَه للناس ، لأن الكريم يستقلُّ ما يُعطي وإن كان كثيراً ، وأعطِ عطاءَ من لا يخاف الفقر . وفي هذا تعليمٌ لنا أن نعطيَ ما استطعنا من غيرِ منٍّ ولا أذى .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

{ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } أي : لا تمنن على الناس بما أسديت إليهم من النعم الدينية والدنيوية ، فتتكثر{[1276]}  بتلك المنة ، وترى لك [ الفضل ] عليهم بإحسانك المنة ، بل أحسن إلى الناس مهما أمكنك ، وانس [ عندهم ] إحسانك ، ولا تطلب أجره إلا من الله تعالى واجعل من أحسنت إليه وغيره على حد سواء .

وقد قيل : إن معنى هذا ، لا تعط أحدا شيئا ، وأنت تريد أن يكافئك عليه بأكثر منه ، فيكون هذا خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم .


[1276]:- في ب: فتستكثر.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول: ولا تعط عطية لتعطى أكثر من عطيتك.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛

فقال بعضهم: معنى ذلك: ولا تُعطِ يا محمد عطية لتعطَى أكثر منها.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا تمنن عملك على ربك تستكثر.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تضعف أن تستكثر من الخير.

ووجّهوا معنى قوله:"وَلا تَمْنُنْ "أي لا تضعف، من قولهم: حبل منين: إذا كان ضعيفا.

وقال آخرون في ذلك: لا تمنن بالنبوّة على الناس، تأخذ عليه منهم أجرا.

وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في ذلك قول من قال: معنى ذلك: ولا تمنن على ربك من أن تستكثر عملك الصالح. وإنما قلت ذلك أولى بالصواب، لأن ذلك في سياق آيات تقدمّ فيهنّ أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالجدّ في الدعاء إليه، والصبر على ما يَلْقَى من الأذى فيه، فهذه بأن تكون من أنواع تلك، أشبه منها بأن تكون من غيرها.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وقال ابن مجاهد: معناه لا تضعف في عملك مستكثرا لطاعتك.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

عن ابن عباس أنه قال: {ولا تمنن تستكثر} لا تقل دعوت فلم أجب.

وروى قتادة أن المعنى لا تدل بعملك، ففي هذا التأويل تحريض على الجد وتخويف.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ذكروا في تفسير الآية وجوها؛

(أحدها) أنه تعالى أمره قبل هذه الآية، بأربعة أشياء: إنذار القوم، وتكبير الرب، وتطهير الثياب، وهجر الرجز، ثم قال: {ولا تمنن تستكثر} أي لا تمنن على ربك بهذه الأعمال الشاقة، كالمستكثر لما تفعله، بل اصبر على ذلك كله لوجه ربك متقربا بذلك إليه غير ممتن به عليه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يفعل شيئاً لعلة أصلاً، بل لله خالصاً، فإنه إذا زال الاستكثار حصل الإخلاص، لأنه لا يتعلق همه بطلب الاستمثال، فكيف بالاستقلال، فيكون العمل في غاية الخلوص لا يقصد به ثواباً أصلاً، ولا يراد لغير وجه الله تعالى، وهذا هو النهاية في الإخلاص.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ويوجهه إلى إنكار ذاته وعدم المن بما يقدمه من الجهد، أو استكثاره واستعظامه: (ولا تمنن تستكثر).. وهو سيقدم الكثير، وسيبذل الكثير، وسيلقى الكثير من الجهد والتضحية والعناء. ولكن ربه يريد منه ألا يظل يستعظم ما يقدمه ويستكثره ويمتن به.. وهذه الدعوة لا تستقيم في نفس تحس بما تبذل فيها. فالبذل فيها من الضخامة بحيث لا تحتمله النفس إلا حين تنساه. بل حين لا تستشعره من الأصل لأنها مستغرقة في الشعور بالله؛ شاعرة بأن كل ما تقدمه هو من فضله ومن عطاياه. فهو فضل يمنحها إياه، وعطاء يختارها له، ويوفقها لنيله. وهو اختيار واصطفاء وتكريم يستحق الشكر لله. لا المن والاستكثار.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} أي لا تشعر بالمنّ على الناس عندما تكابد الجهد في الدعوة، وفي الرعاية والخدمة، لتحس بأنك قدمت الكثير عندما تجد ما أعطيته لهم كثيراً، في إحساسٍ بالعجب في داخل الذات، وبالإذلال للناس، بل لا بد لك من الشعور بأن ذلك كلّه يمثّل مسؤوليتك التي حمّلك الله إياها في ما أولاك من نعمه، باعتبار أن ذلك من حقّ الله عليك الذي لا بدّ لك من أن تقوم به طلباً لرضاه وشكراً لنعمه، وأنه من حق الناس عليك، أمرك الله بأدائه إلى كل من يحتاج الهداية والرعاية والعناية، وبذلك لا يبقى هناك معنًى للمنِّ، ما دام ذلك هبةً من الله، ولا معنى للاستكثار، لأن الله يريد للإنسان أن لا يُخرج نفسه من حدّ التقصير، فلا يبلغ درجةً إلاَّ ويحاول أن يرتفع إلى ما هو أعلى منها، ولا يقوم بعطاءٍ إلا ويجد من نفسه ضرورة التوفّر على عطاءٍ أكثر منه.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

{ ولا تمنن تستكثر } لا تعط شيئا لتأخذ أكثر منه وهذا خاصة للنبي ص لانه مأمور بأجل الأخلاق وأشرف الآداب

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " ولا تمنن تستكثر " فيه أحد عشر{[15556]} تأويلا :

الأول : لا تمنن على ربك بما تتحمله من أثقال النبوة ، كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب الغير .

الثاني : لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها ، قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة . قال الضحاك : هذا حرمه الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجل الأخلاق ، وأباحه لأمته ، وقاله مجاهد .

الثالث : عن مجاهد أيضا لا تضعف{[15557]} أن تستكثر من الخير ، من قولك حبل منين إذا كان ضعيفا ، ودليله قراءة ابن مسعود " ولا تمنن تستكثر من الخير " .

الرابع : عن مجاهد أيضا والربيع : لا تعظم عملك في عينك أن تستكثر من الخير ، فإنه مما أنعم الله عليك . قال ابن كيسان : لا تستكثر عملك فتراه من نفسك ، إنما عملك منة من الله عليك ؛ إذ جعل الله لك سبيلا إلى عبادته .

الخامس : قال الحسن : لا تمنن على الله بعملك فتستكثره .

السادس : لا تمنن بالنبوة والقرآن على الناس فتأخذ منهم أجرا تستكثر به .

السابع : قال القرظي : لا تعط مالك مصانعة .

الثامن : قال زيد بن أسلم : إذا أعطيت عطية فأعطها لربك .

التاسع : لا تقل دعوت فلم يستجب لي .

العاشر : لا تعمل طاعة وتطلب ثوابها ، ولكن اصبر حتى يكون الله هو الذي يثيبك عليها .

الحادي عشر : لا تفعل الخير لترائي به الناس .

الثانية- هذه الأقوال وإن كانت مرادة فأظهرها قول ابن عباس : لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت من المال ، يقال : مننت فلانا كذا أي أعطيته . ويقال للعطية المنة ، فكأنه أمر بأن تكون عطاياه لله ، لا لارتقاب ثواب من الخلق عليها ؛ لأنه عليه السلام ما كان يجمع الدنيا ، ولهذا قال : [ ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم ] . وكان ما يفضل من نفقة عياله مصروفا إلى مصالح المسلمين ؛ ولهذا لم يورث ؛ لأنه كان لا يملك لنفسه الادخار والاقتناء ، وقد عصمه الله تعالى عن الرغبة في شيء من الدنيا ؛ ولذلك{[15558]} حرمت عليه الصدقة وأبيحت له الهدية ، فكان يقبلها ويثيب عليها . وقال : [ لو دعيت إلى كراع{[15559]} لأجبت ولو أهدي إلي ذراع لقبلت ] ابن العربي : وكان يقبلها سنة ولا يستكثرها شرعة ، وإذا كان لا يعطي عطية يستكثر بها فالأغنياء أولى بالاجتناب ؛ لأنها باب من أبواب المذلة ، وكذلك قول من قال : إن معناها لا تعطي عطية تنتظر ثوابها ، فإن الانتظار تعلق بالأطماع ، وذلك في حيزه بحكم الامتناع ، وقد قال الله تعالى له : " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى " [ طه : 131 ] . وذلك جائز لسائر الخلق ؛ لأنه من متاع الدنيا ، وطلب الكسب والتكاثر بها . وأما من قال أراد به العمل أي لا تمنن بعملك على الله فتستكثره فهو صحيح ، فإن ابن آدم لو أطاع الله عمره من غير فتور لما بلغ لنعم الله بعض الشكر .

الثالثة- قوله تعالى : " ولا تمنن " قراءة العامة بإظهار التضعيف . وقرأ أبو السمال العدوي وأشهب العقيلي والحسن " ولا تمن " مدغمة مفتوحة . " تستكثر " : قراءة العامة بالرفع وهو في معنى الحال ، تقول : جاء زيد يركض أي راكضا ، أي لا تعط شيئا مقدرا أن تأخذ بدله ما هو أكثر منه . وقرأ الحسن بالجزم على جواب النهي وهو رديء ؛ لأنه ليس بجواب . ويجوز أن يكون بدلا من " تمنن " كأنه قال : لا تستكثر . وأنكره أبو حاتم وقال : لأن المن ليس بالاستكثار فيبدل منه . ويحتمل أن يكون سكن تخفيفا كعضد . أو أن يعتبر حال الوقف . وقرأ الأعمش ويحيى " تستكثر " بالنصب ، توهم لام كي ، كأنه قال : ولا تمنن لتستكثر . وقيل : هو بإضمار " أن " كقوله{[15560]} :

ألا أيُّهَذَا الزَّاجِرِيُّ أحْضُرَ الوَغَى

ويؤيده قراءة ابن مسعود " ولا تمنن أن تستكثر " . قال الكسائي : فإذا حذف " أن " رفع وكان المعنى واحدا . وقد يكون المن بمعنى التعداد على المنعم عليه بالنعم ، فيرجع إلى القول الثاني{[15561]} : ، ويعضده قوله تعالى : " لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى " [ البقرة : 264 ] وقد يكون مرادا في هذه الآية . والله أعلم .


[15556]:أ، ح: "فيه عشر تأويلات".
[15557]:عبارة ابن العربي في أحكام القرآن (2/288): ولا تضعف عن الخير أن تستكثر منه.
[15558]:في، أ ح، ز، ط: "ولهذا".
[15559]:الكراع بوزن عراب: وهو مستدق الساق من الرجل. وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير.
[15560]:البيت لطرفة بن العبد من معلقته، وتمامه: * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي *
[15561]:زيادة يقتضيها المعنى.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

ولما بدأ بأحد سببي القبول{[69702]} ، أتبعه الثاني المبعد عن قاصمة العمل من الإعجاب والرياء والملل فقال : { ولا تمنن } أي-{[69703]} على أحد بدعائك له أو بشيء تعطيه له على جهة الهبة أو القرض بأن تقطع لذة من أحسنت إليه بالتثقيل عليه بذكرك على جهة الاستعلاء والاستكثار بما فعلته معه ، {[69704]}أو لا{[69705]} تعط شيئاً حال كونك { تستكثر * } أي تطلب أن تعطي أجراً أو أكثر مما أعطيت - قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو من قولهم ، منَّ - إذا أعطى ، وذلك لأن الأليق بالمعطي من الخلق أن يستقل ما أعطى ، ويشكر الله الذي وفقه له ، و-{[69706]} بالآخذ أن يستكثر ما أخذ-{[69707]} ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يفعل شيئاً لعلة أصلاً ، بل لله خالصاً ، فإنه إذا زال الاستكثار حصل الإخلاص ، لأنه لا يتعلق همه بطلب الاستمثال ، فكيف بالاستقلال ، فيكون العمل-{[69708]} في غاية الخلوص لا يقصد به ثواباً أصلاً ، ولا يراد لغير وجه الله تعالى ، وهذا هو النهاية في الإخلاص .


[69702]:من م، وفي الأصل و ظ: القول.
[69703]:زيد من ظ و م.
[69704]:من ظ و م، وفي الأصل: لو.
[69705]:من ظ و م، وفي الأصل: لو.
[69706]:راجع البحر المحيط 8/369.
[69707]:زيد من ظ و م.
[69708]:زيد من ظ و م.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

قوله : { ولا تمنن تستكثر } تستكثر ، جملة فعلية في موضع نصب على الحال . وتقديره : ولا تمنن مستكثرا {[4682]} وقد جاء في تأويل هذه الآية عدة أقوال وهي متقاربة في المعنى . وجملة ذلك : لا تعط يا محمد عطية تلتمس بها أفضل منها . أو لا تعط شيئا لتعطى شيئا أكثر منه . قال ابن عباس في ذلك : لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت من المال . والمقصود أن تكون العطايا خالصة لله ، فلا يبتغي بها المعطي جزاءه من الناس .


[4682]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 473.