الشهداء : من قُتلوا في سبيل الله .
والعاملون أقسامٌ عند الله ، فمنهم النبيّون والصدّيقون والشهداءُ والصالحون . فالذين آمنوا بالله ورسُلِه ولم يفرقوا بين أحدٍ منهم ، أولئك هم الصدّيقون والشهداءُ ، لهم أجرُهم العظيم ، ونورٌ يهديهم يومَ القيامة ، لا خوفٌ عليهم ولا هم يَحزنون .
وبالمقابلِ يقفُ الذين كفروا وكذَّبوا بآيات الله ، أولئك هم أصحابُ النار خالدين فيها .
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ } والإيمان عند أهل السنة : هو ما دل عليه الكتاب والسنة ، هو قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح ، فيشمل ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة ، فالذين جمعوا بين هذه الأمور هم الصديقون أي : الذين مرتبتهم فوق مرتبة عموم المؤمنين ، ودون مرتبة الأنبياء .
[ وقوله : ] { وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } كما ورد في الحديث الصحيح : { إن في الجنة مائة درجة ، ما بين الدرجتين{[987]} كما بين السماء والأرض ، أعدها الله للمجاهدين في سبيله } وهذا يقتضي شدة علوهم ورفعتهم ، وقربهم الله تعالى .
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } فهذه الآيات جمعت أصناف الخلق ، المتصدقين ، والصديقين ، والشهداء ، وأصحاب الجحيم ، فالمتصدقون الذين كان جل عملهم الإحسان إلى الخلق ، وبذل النفع إليهم بغاية ما يمكنهم ، خصوصا بالنفع بالمال في سبيل الله .
والصديقون هم الذين كملوا مراتب الإيمان والعمل الصالح ، والعلم النافع ، واليقين الصادق ، والشهداء هم الذين قاتلوا في سبيل الله [ لإعلاء كلمة الله ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم ] فقتلوا ، وأصحاب الجحيم هم الكفار الذين كذبوا بآيات الله .
وبقي قسم ذكرهم الله في سورة فاطر ، وهم المقتصدون الذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات ، إلا أنهم حصل منهم تقصير ببعض حقوق الله وحقوق عباده ، فهؤلاء مآلهم الجنة ، وإن حصل لهم عقوبة ببعض ما فعلوا .
قوله تعالى : " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم " اختلف في " الشهداء " هل هو مقطوع مما قبل أو متصل به . فقال مجاهد وزيد بن أسلم : إن الشهداء والصديقين هم المؤمنون وأنه متصل ، وروي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يوقف على هذا على قوله : " الصديقون " وهذا قول ابن مسعود في تأويل الآية . قال القشيري قال الله تعالى : " فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين " [ النساء : 69 ] فالصديقون هم الذين يتلون الأنبياء ، والشهداء هم الذين يتلون الصديقين ، والصالحون يتلون الشهداء ، فيجوز أن تكون هذه الآية في جملة من صدق بالرسل ، أعني " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء " . ويكون المعنى بالشهداء من شهد لله بالوحدانية ، فيكون صديق فوق صديق في الدرجات ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أهل الجنات العلا ليراهم من دونهم كما يرى أحدكم الكوكب الذي في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنْعَمَا{[14717]} ) وروي عن ابن عباس ومسروق أن الشهداء غير الصديقين . فالشهداء على هذا منفصل مما قبله والوقف على قوله : " الصديقون " حسن . والمعنى " والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم " أي لهم أجر أنفسهم ونور أنفسهم . وفيهم قولان أحدهما : أنهم الرسل يشهدون على أممهم بالتصديق والتكذيب ، قاله الكلبي ، ودليله قوله تعالى : " وجئنا بك على هؤلاء شهيدا{[14718]} " [ النساء : 41 ] . الثاني : أنهم أمم الرسل يشهدون يوم القيامة ، وفيما يشهدون به قولان : أحدهما : أنهم يشهدون على أنفسهم بما عملوا من طاعة ومعصية . وهذا معنى قول مجاهد . الثاني : يشهدون لأنبيائهم بتبليغهم الرسالة إلى أممهم ، قاله الكلبي . وقال مقاتل قولا ثالثا : إنهم القتلى في سبيل الله تعالى . ونحوه عن ابن عباس أيضا قال : أراد شهداء المؤمنين . والواو واو الابتداء . والصديقون على هذا القول مقطوع من الشهداء . وقد اختلف في تعيينهم ، فقال الضحاك : هم ثمانية نفر ، أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة . وتابعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ، ألحقه الله بهم لما صدق نبيه صلى الله عليه وسلم . وقال مقاتل بن حيان : الصديقون هم الذين آمنوا بالرسل ولم يكذبوهم طرفة عين ، مثل مؤمن آل فرعون ، وصاحب آل ياسين ، وأبي بكر الصديق ، وأصحاب الأخدود .
قوله تعالى : " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا " أي بالرسل والمعجزات " أولئك أصحاب الجحيم " فلا أجر لهم ولا نور .
قوله : { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصّدّيقون والشهداء عند ربهم } يعني أولئك المؤمنون بالله ورسوله إيمانا صادقا فهم عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء . والمراد بالصديقين ، المبالغون في صدق القلوب وإخلاص النوايا . والشهداء هم القائمون بالشهادة لله ، أو هم الذين استشهدوا في سبيل الله . وقيل : هذه الجملة { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصّدّيقون } جملة مفصولة . ثم استأنف الكلام في قوله : { والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم } فالشهداء مبتدأ وخبره { لهم أجرهم ونورهم } . قوله : { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم } ذلك وعيد شديد من الله للجاحدين المكذبين بآياته ، المعرضين عن دينه ، بأنهم صائرون إلى الجحيم حيث النار المتسعّرة والعذاب المهين{[4462]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.