النجوى : المناجاة سراً بين اثنين فأكثر . الذين نهوا عن النجوى : اليهود والمنافقون .
ألم تعلم أيها الرسول أن الله تعالى يعلم ما في السموات وما في الأرض ، فلا يتناجى ثلاثةٌ إلا واللهُ معهم ، ولا خمسةٌ إلا هو سادسُهم ، يعلم ما يقولون وما يدبّرون ، ولا أقلّ من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم ، يعلم ما يتناجَون به أينما كانوا ، ثم يخبرهم يوم القيامة بكل ما عملوا { إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .
ولهذا أخبر عن سعة علمه وإحاطته بما في السماوات والأرض من دقيق وجليل . وأنه { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا } ، والمراد بهذه المعية معية العلم والإحاطة بما تناجوا به وأسروه فيما بينهم ، ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .
قوله تعالى :{ ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض } فلا يخفى عليه سر ولا علانية . { ما يكون من نجوى } قراءه العامة بالياء ، لأجل الحائل بينهما . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع والأعرج وأبو حيوة وعيسى " ما تكون " بالتاء لتأنيث الفعل . والنجوى : السرار ، وهو مصدر والمصدر قد يوصف به ، يقال : قوم نجوى أي ذوو نجوى ، ومنه قوله تعالى : { وإذ هم نجوى{[14771]} } [ الإسراء : 47 ] . وقوله تعالى : { ثلاثة } خفض بإضافة { نجوى } إليها . قال الفراء : " ثلاثة " نعت للنجوى فانخفضت وإن شئت أضفت " نجوى " إليها . ولو نصب على إضمار فعل جاز ، وهي قراءة ابن أبي عبلة " ثلاثة " و " خمسة " بالنصب على الحال بإضمار يتناجون ، لأن نجوى يدل عليه ، قاله الزمخشري . ويجوز رفع " ثلاثة " على البدل من موضع " نجوى " . ثم قيل : كل سرار نجوى ، وقيل : النجوى ما يكون من خلوة ثلاثة يسرون شيئا ويتناجون به ، والسرار ما كان بين اثنين . { إلا هو رابعهم } يعلم ويسمع نجواهم ، يدل عليه افتتاح الآية بالعلم ثم ختمها بالعلم . وقيل : النجوى من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض ، فالمتناجيان يتناجيان ويخلوان بسرهما كخلو المرتفع من الأرض عما يتصل به ، والمعنى : أن سمع الله محيط بكل كلام ، وقد سمع الله مجادلة المرأة التي ظاهر منها زوجها . " ولا أدنى من ذلك ولا أكثر " قرأ سلام ويعقوب وأبو العالية ونصر وعيسى بالرفع على موضع " من نجوى " قبل دخول " من " لأن تقديره ما يكون نجوى ، و " ثلاثة " يجوز أن يكون مرفوعا على محل " لا " مع " أدنى " كقولك : لا حول ولا قوة إلا بالله بفتح الحول ورفع القوة . ويجوز أن يكونا مرفوعين على الابتداء ، كقولك لا حول ولا قوة إلا بالله . وقد مضى في " البقرة{[14772]} " بيان هذا مستوفى .
وقرأ الزهري وعكرمة " أكبر " بالباء ، والعامة بالثاء وفتح الراء على اللفظ وموضعها جر . وقال الفراء في قوله : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم } قال : المعنى غير مصمود والعدد غير مقصود لأنه تعالى إنما قصد وهو أعلم أنه مع كل عدد قل أو كثر ، يعلم ما يقولون سرا وجهرا ولا تخفى عليه خافية ، فمن أجل ذلك اكتفى بذكر بعض العدد دون بعض ، وقيل : معنى ذلك أن الله معهم بعلمه حيث كانوا من غير زوال ولا انتقال ، ونزل ذلك في قوم من المنافقين كانوا فعلوا شيئا سرا فأعلم الله أنه لا يخفى عليه ذلك ، قاله ابن عباس ، وقال قتادة ومجاهد : نزلت في اليهود . { ثم ينبئهم } يخبرهم { بما عملوا } من حسن وسيء { يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم } .
قوله : { ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض } الله عليم بأخبار الكون كله ، فما من شيء ولا خبر ولا حدث ولا سر ولا علن إلا والله مطلع عليه ، خبير بحقيقة أمره .
قوله : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } من ، حرف جر زائد ويكون تامة ، ونجوى فاعل يكون . والنجوى بمعنى السرار وهي مصدر ، والنجو معناه السر بين اثنين . يقال نجوته نجوا ، أي ساررته . وانتجى القوم وتناجوا أي تساروا ، أو ناجى بعضهم بعضا{[4478]} وثلاثة ، مجرور بالإضافة ، أو مجرور على البدل ، أي ما يكون من متناجيين ثلاثة{[4479]} . والمعنى : ما يقع من سرار ثلاثة أو مسارّة ثلاثة إلا كان الله رابعهم يسمع إسرارهم وما يتناجون به { ولا خمسة إلا هو سادسهم } فليس من خمسة يتناجون بينهم في السر إلا كان الله سادسهم .
والعدد هنا غير مقصود . وإنما المراد التذكير بأن الله مع كل عدد من العباد قلّ العدد أو كثر . فالله يعلم ما يقولون أو يخفون أو يستسرون وهو قوله : { ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة } إن ذلكم خطاب كريم مؤثر ، وكلمات ربانية بلغية نفّاذة تثير في الأذهان والقلوب دوام اليقظة والحذر ، ليستيقن الإنسان أنه محوط بقدرة الله وسلطانه ، وأنه ينفذ إلى أعماقه علم الله المحيط ، فلا يخفى عليه من أخباره أو أسراره شيء . ويوم القيامة يخبرهم الله بما قدموه في الدنيا من عمل ، خيرا أو شرا ليجدوا في مقابلة الجزاء . قوله { إن الله بكل شيء عليم } الله عليم بأخبار الكون كله ولا يغيب عن علمه شيء من أخبار العباد وما قدموه من عمل{[4480]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.