الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ وَلَا خَمۡسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمۡ وَلَآ أَدۡنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمۡ أَيۡنَ مَا كَانُواْۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (7)

قوله : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى } : " يكونُ " تامةٌ و " من نَجْوى " فاعلُها ، و " مِنْ " مزيدةٌ فيه . ونجوى في الأصل مصدرٌ فيجوزُ أَنْ يكونَ باقياً على أصلِه ، ويكون مضافاً لفاعِله ، أي : ما يوجَدُ مِنْ تناجي ثلاثةٍ ، ويجوز أَنْ يكونَ على حَذْفِ مضافٍ أي : مِنْ ذوي نَجْوى ، ويجوزُ أَنْ يكونَ أطلق على الأشخاصِ المتناجينِ مبالغةً ، فعلى هذَيْن الوجهَيْن ينخفضُ " ثلاثة " على أحدِ وجْهَين : إمَّا البدلِ مِنْ ذوي المحذوفة ، وإمَّا الوصفِ لها على التقدير الثاني ، وإمَّا البدلِ أو الصفةِ ل " نَجْوَى " على التقدير الثالث .

وقرأ ابن أبي عبلة " ثلاثةً " و " خمسةً " نصباً على الحال ، وفي صاحبها وجهان ، أحدهما : أنه محذوفٌ مع رافعِه ، تقديرُه : يتناجَوْن ثلاثةً ، وحُذف لدلالةِ " نجوى " عليه . والثاني : أنه الضمير المستكِنُّ في " نجوى " إذا جَعَلْناها بمعنى المتناجِين ، قاله الزمخشريُّ . قال مكي : " ويجوز في الكلام رَفْعُ " ثلاثة " على البدل مِنْ موضع " نَجْوى " ، لأنَّ موضعَها رفعٌ و " مِنْ " زائدةٌ ، ولو نصَبْتَ " ثلاثة " على الحال من الضمير المرفوع إذا جَعَلْتَ " نجوى " بمعنى المتناجين جازَ في الكلام " ، قلت : أمَّا الرفعُ فلم يُقْرَأْ به فيما عَلِمْتُ ، وهو جائزٌ في غير القرآن كما قال ، وأمَّا النصبُّ فقد عَرَفْتَ مَنْ قرأ به فكأنَّه لم يَطَّلعْ عليه .

قوله : { إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } ، { إلاَّ هو سادسهم } ، { إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ } كلُّ هذه الجملِ بعد " إلاَّ " في موضعِ نصبٍ على الحالِ أي : ما يوجَدُ شَيْءٌ من هذه الأشياءِ إلاَّ في حالٍ مِنْ هذه الأحوالِ ، فالاستثناءُ مفرَّغٌ من الأحوال العامة .

وقرأ أبو جعفر : { ما تكونُ } بتاءِ التأنيث لتأنيث النجوى . قال أبو الفضل : إلاَّ أنَّ الأكثرَ في هذا البابِ التذكيرُ على ما في العامة ؛ لأنه مُسْنَدٌ إلى { مِنْ نجوى } ، وهو اسمُ جنسٍ مذكرٌ .

قوله : { وَلاَ أَكْثَرَ } العامَّةُ على الجرِّ عطفاً على لفظ { نجوى } . وقرأ الحسن والأعمش وابن أبي إسحاق وأبو حيوة ويعقوبُ { ولا أكثرُ } بالرفع ، وفيه وجهان ، أحدُهما : أنه معطوفٌ على موضع " نَجْوى " لأنه مرفوعٌ ، و " مِنْ " مزيدةٌ فيه ، فإن كان مصدراً كان على حَذْفِ مضافٍ كما تقدَّم أي : مِنْ ذوي نجوى ، وإن كان بمعنى المتناجِين فلا حاجةَ إلى ذلك . والثاني : أن يكونَ " أَدْنى " مبتدأ ، و { إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ } خبرُه ، فيكون { ولا أكثرُ } عطفاً على المبتدأ ، وحينئذ يكون { ولا أَدْنَى } من باب عطفِ الجملِ لا المفرداتِ .

وقرأ الحسن ويعقوب أيضاً ومجاهد والخليل " ولا أكبرُ " بالباء الموحدة والرفعِ على ما تقدَّم . وزيد بن علي " يُنْبِهِمْ " مِنْ أَنْبأ ؛ إلاَّ أنه حذف الهمزةَ وكسرَ الهاءَ ، وقُرِىء كذلك ، إلاَّ أنَّه بإثباتِ الهمزةِ وضمِّ الهاءِ . والعامَّةُ بالتشديد مِنْ نَبَّأ .