غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ وَلَا خَمۡسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمۡ وَلَآ أَدۡنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمۡ أَيۡنَ مَا كَانُواْۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (7)

1

ثم قرر كمال علمه بقوله { ما يكون من نجوى ثلاثة } نفر ، ويجوز أن يكون ثلاثة وصفاً للنجوى على حذف المضاف أي من أهل نجوى ، أو لأنهم جعلوا نجوى مبالغة وكذلك كل مصدر وصف به . قال الزجاج : هي مشتقة من النجوة : المكان المرتفع لأن الكلام المذكور سراً يجل عن استماع الغير .

سؤال : لم ذكر الثلاثة والخمسة وأهمل ذكر الاثنين والأربعة ؟ الجواب من وجوه أحدها : أن الآية نزلت في قوم من المنافقين اجتمعوا على التناجي مغايظة للمؤمنين وكانوا على هذين العددين فخص صورة الواقعة بالذكر . عن ابن عباس أن ربيعة وحبيباً ابني عمرو وصفوان بن أمية كانوا يوماً مّا يتحدثون فقال أحدهم : أترى أن الله يعلم ما نقول ، فقال الآخر : يعلم بعضاً ولا يعلم بعضاً ، وقال الثالث : إن كان يعلم بعضاً فهو يعلم كله فنزلت . قالت جماعة : الحق مع الثالث فلعل الآخر كان فلسفي الاعتقاد القائل بأنه تعالى يعلم الكليات دون الجزئيات . ثانيها أن العدد الفرد أشرف من الزوج لأن الله تعالى وتر ولأن الزوج يحتاج إلى الوتر دون العكس كالواحد . وثالثها أن المتشاورين الاثنين كالمتنازعين في النفي والإثبات ، والثالث كالمتوسط الحكم وهكذا في كل زوج اجتمعوا للمشاورة فلا بد فيهم من واحد يكون حكماً فذكر سبحانه الفردين الأولين تنبيهاً على الأفراد الباقية . ورابعها أن هذا إشارة إلى كمال المرحمة ، وذلك أن الثلاثة إذا أخذ اثنان منهم في التناجي والمسارّة بقي الواحد ضائعاً وحيداً فيضيق قلبه فيقول الله تعالى : أنا جليسك وأنيسك ، وكذا الخمسة إذا اجتمع اثنان اثنان منهم بقي الخامس فريداً فنفس الله تعالى عنه ببشارة المعية ، وهذا التأويل لا يتأتى في الإثنين والأربعة فأهمل ذكرهما ، وفيه أن من انقطع عن الخلق لم يتركه الله ضائعاً . وخامسها وهو من السوانح أنه سبحانه لما أراد تكميل الكلام بقوله { ولا أدنى من ذلك ولا أكثر } لم يكن بد من الابتداء بالثلاثة مع أنها عدد أكثري في التشاور ، ثم بالخمسة ليكون لكل من العددين طرفا قلة وكثرة ، وفيه أيضاً من الفصاحة أنه لم يقع حروف الأربعة مكرراً إذ لو قال " ولا أربعة إلا وهو خامسهم " على ما وقع في مصحف عبد الله لكان في ذكر الرابع والأربعة شبه تكرار . ولعل في الآية إشارة إلى التناجي لا ينبغي أن يكون إلا بين اثنين إلى ستة لتكون الزيادة على الخمسة بقدر احتمال النقصان على الثلاثة ، ويعضده ما روي أن عمر بن الخطاب ترك الأمر شورى بين ستة ولم يتجاوز بها إلى سابع ، وهذه من نكت القرآن زادنا الله اطلاعاً عليها . قال أكثر المفسرين : كانت اليهود والمنافقون يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين يريدون بذلك غيظهم .

/خ22