" فأخذه الله نكال الآخرة والأولى " أي نكال قوله : " ما علمت لكم من إله غيري " [ القصص : 38 ] وقوله بعد : " أنا ربكم الأعلى " [ النازعات : 24 ] قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة . وكان بين الكلمتين أربعون سنة ، قاله ابن عباس . والمعنى : أمهله في الأولى ، ثم أخذه في الآخرة ، فعذبه بكلمتيه . وقيل : نكال الأولى : هو أن أغرقه ، ونكال الآخرة : العذاب في الآخرة . وقال قتادة وغيره . وقال مجاهد : هو عذاب أول عمره وأخره . وقيل : الآخرة قوله " أنا ربكم الأعلى " والأولى تكذيبه لموسى . عن قتادة أيضا . و " نكال " منصوب على المصدر المؤكد في قول الزجاج ؛ لأن معنى أخذه الله : نكل الله به ، فأخرج [ نكال ]{[15782]} مكان مصدر من معناه ، لا من لفظه . وقيل : نصب بنزع حرف الصفة . أي فأخذه الله بنكال الآخرة ، فلما نزع الخافض نصب . وقال الفراء : أي أخذه الله أخذا نكالا ، أي للنكال . والنكال : اسم لما جعل نكالا للغير أي عقوبة له حتى يعتبر به . يقال : نكل فلان بفلان : إذا أثخنه عقوبة . والكلمة من الامتناع ، ومنه النكول عن اليمين ، والنكل القيد . وقد مضى في سورة " المزمل " {[15783]} والحمد لله .
ولما أخبر سبحانه عنه بهذه الكلمة الشنعاء القادحة في الملك ، وكان الملوك لا يحتملون ذلك بوجه ، سبب عنها وعقب قوله : { فأخذه الله } أي الملك الذي لا كفوء له ولا أمر لأحد معه أخذ قهر وذل منكلاً به مخذلاً له{[71461]} : { نكال الآخرة } فهو مصدر من المعنى ، أي أخذ تنكيل{[71462]} فيها يكون مثلاً يتقيد به ويتعظ كل من سمعه عن مثل حال فرعون ، وقدمها اهتماماً بشأنها{[71463]} وإشارة إلى أن-{[71464]} عظمة عذابها أعظم ولا يذوقه الإنسان إلا بكشف غطاء الدنيا بالموت ، وتنبيهاً على أن المنع من مثل هذه الدعوى للصدق بها أمكن ، وليس ذلك للفاصلة لأنه لو قيل : " الأخرى " لوافقت { والأولى * } أي ونكال{[71465]} الدنيا الذي هو قبل الآخرة{[71466]} فإن من سمع قصة غرقه ومجموع ما اتفق له كان له-{[71467]} ذلك نكالاً مانعاً من عمل مثله أو أقل منه ، قال الضحاك{[71468]} : أما في الدنيا فأغرقه الله تعالى وألقاه{[71469]} بنجوة من الأرض ، وأما في العقبى فيدخله الله تعالى النار و-{[71470]} يجعله ظاهراً على تل منها مغلولاً مقيداً ينادي عليه هذا الذي ادعى الربوبية دون الله انتهى . وأنا لا أشك أن الحلاج وابن عربي وابن الفارض ، وأتباعهم-{[71471]} يكونون في النار تحتهم وتحت آله يشربون عصارتهم ، فإنهم{[71472]} ادعوا{[71473]} أنه ناج وصدقوه فيما ادعاه{[71474]} وادعوا لأنفسهم وغيرهم مثل-{[71475]} ما ادعاه تكذيباً للقرآن وإغراقاً في العدوان ، وزادوا عليه بابتذال الاسم الأعظم الذي حماه الله من أن يدعيه أحد{[71476]} قبل إرسال النبي صلى الله عليه وسلم فادعوا{[71477]} أنه يطلق عليهم وعلى كل أحد بل كل{[71478]} شيء ، وأمارة هذه الطائفة الخبيثة التي لا تتخلف أن تقول لأحدهم{[71479]} : العن فرعون الذي أجمع على لعنه{[71480]} جميع الطوائف .
وهو مثل عندهم في الشرارة{[71481]} والخبث فلا يلعنه ، وإن لعنه فبعد توقف .
قوله : { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } نكال منصوب على أنه مفعول له . وقيل : منصوب على أنه مصدر {[4749]} أي أهلكه الله جزاء مقالتين . الأولى منهما قوله : { ما علمت لكم من إله غيري } والثانية قوله : { أنا ربكم الأعلى } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.