الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{قَالَ يَـٰٓإِبۡلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِينَ} (75)

قوله تعالى : ( قال يا إبليس ما منعك ) أي : صرفك وصدك . ( أن تسجد ) أي : عن أن تسجد . ( لما خلقت بيدي ) : أضاف خلقه إلى نفسه تكريما له ، وإن كان خالق كل شيء وهذا كما أضاف إلى نفسه الروح والبيت والناقة والمساجد . فخاطب الناس بما يعرفونه في تعاملهم ، فإن الرئيس من المخلوقين لا يباشر شيئا بيده إلا على سبيل الإعظام والتكرم ، فذكر اليد هنا بمعنى هذا . قال مجاهد : اليد ها هنا بمعنى التأكد والصلة ، مجازه : لما خلقت أنا كقوله : " ويبقى وجه ربك " [ الرحمن : 27 ] أي يبقى ربك . وقيل : التشبيه في اليد في خلق الله تعالى دليل على أنه ليس بمعنى النعمة والقوة والقدرة ، وإنما هما صفتان من صفات ذاته تعالى . وقيل : أراد باليد القدرة ، يقال : مالي بهذا الأمر يد . وما لي بالحمل الثقيل يدان . ويدل عليه أن الخلق لا يقع إلا بالقدرة بالإجماع . وقال الشاعر :

تحمَّلتُ من عَفْرَاءَ ما ليس لي به *** ولا للجبالِ الراسياتِ يَدَانِ

وقيل : ( لما خلقت بيدي ) : لما خلقت بغير واسطة . ( أستكبرت ) أي عن السجود . ( أم كنت من العالين ) أي : المتكبرين على ربك . وقرأ محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير وأهل مكة " بيدي استكبرت " موصولة الألف على الخبر وتكون أم منقطعة بمعنى بل مثل : ( أم يقولون افتراه ) [ السجدة : 3 ] وشبهه . ومن استفهم ف " أم " معادلة لهمزة الاستفهام وهو تقرير وتوبيخ . أي استكبرت بنفسك حين أبيت السجود لآدم ، أم كنت من القوم الذين يتكبرون فتكبرت لهذا .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قَالَ يَـٰٓإِبۡلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِينَ} (75)

لما كان من خالف أمر الملك جديراً بأن يحدث إليه أمر ينتقم به منه ، فتشوف السامع لما كان من الملك إليه ، استأنف البيان لذلك بقوله : { قال } وبين أنه بمحل البعد بقوله : { يا } وبين يأسه من الرحمة ، وأنه لا جواب له اصلاً بتعبيره بقوله : { إبليس ما } أي ، أي شيء { منعك أن تسجد } وبين ما يوجب طاعته ولو أمر بتعظيم ما لا يعقل بقوله معبراً بأداة ما لا يعقل عمن كان عند السجود له عاقلاً كامل العقل : { لما خلقت } فأنا العالم به وبما يستحقه دون غيري ، وما أمرت بالسجود له إلا لحكمة في الأمر وابتلاء للغير ، وأكد بيان ذلك بذكر اليد وتثنيتها فقال : { بيدي } أي من غير توسط سبب من بين هذا النوع وما ذاك إلا لمزيد اختصاص ، والمراد باليد هنا صفة شريفة غير النعمة والقدرة معلومة له سبحانه ولمن تبحر في علمي اللغة والسنّة ، خص بها خلق آدم عليه السلام تشريفاً له وفي تثنية اليد إشارة إلى أنه ربما أظهر فيه معاني الشمال وإن كان كل من يديه مباركاً ، ثم قسم المانع إلى طلب العلو ووجود العلو مع الإنكار عليه في الاستناد إلى شيء منهما ، فقال في صيغة استفهام التقرير مع الإنكار والتقريع ، بياناً لأنه يلزمه لا محالة زيادة على ما كفر به أن يكون على أحد هذين الأمرين : { أستكبرت } أي طلبت أن تكون أعلى منه وأنت تعلم أنك دونه فأنت بذلك ظالم ، فكنت من المستكبرين العريقين في وصف الظلم ، فإن من اجترأ على أدناه أوشك أن يصل إلى أعلاه { أم كنت } أي مما لك من الجبلة الراسخة { من العالين * } أي الكبراء المستحقين للكبر وأنا لا أعلم ذلك فنقصتك من منزلتك فكنت جائراً في أمري لك بما أمرتك به ، فلذلك علوت بنفسك فلم تسجد له ، هذا المراد لا ما يقوله بعض الملاحدة من أن العالين جماعة من الملائكة لم يسجدوا لأنهم لم يؤمروا لأن ذلك قدح في العموم المؤكد هذا التأكيد العظيم ، وفي تفسير العلماء له من غير شبهة ، والآية من الاحتباك ؛ دل فعل الاستكبار أولاً على فعل العلو ثانياً ، ووصف العلو ثانياً على وصف الاستكبار أولاً ، وسر ذلك ان إنكار الفعل المطلق مستلزم لإنكار المقيد لأنه المطلق بزيادة ، وإنكار الوصف مستلزم لإنكار الفعل لأنه جزوه مع أن إنكار الفعل من هذا مستلزم لإنكار الفعل من ذاك ، فيكون كل من الفعلين مدلولاً على إنكاره مرتين : تارة بإنكار فعل عديله وأخرى بإنكار وصفه نفسه ، والوصفان كذلك ، وفعل الكبر أجدر بالإنكار من فعل العلو و " أم " معادلة لهمزة الاستفهام وإن حذفت من قراءة بعضهم لدلالة " أم " عليها وإن اختلف الفعل ، قال أبو حيان : قال سيبويه : تقول : أضربت زيداً أم قتلته ، فالبدء هنا بالفعل أحسن لأنك إنما تسأل عن أحدهما لا تدري أيهما كان ، ولا تسأل عن موضع أحدهما كأنك قلت : أي ذلك كان - انتهى .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{قَالَ يَـٰٓإِبۡلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِينَ} (75)

قوله : { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } أي ما صَذَّك عن السجود لآدم الذي خلقته بنفسي . فقد نَسَب الخلْق إلى نفسه على سبيل التعظيم لآدم { أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ } الهمزة للاستفهام ، وهو استفهام توبيخ وتقريع . و { أمْ } ، متصلة .

والمعنى : أستكبرت بنفسك إذْ أبيت السجود لآدم أم كنت من الذين يتكبرون على الله .