الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۚ بَلۡ هُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (3)

قوله تعالى : " أم يقولون افتراه " هذه " أم " المنقطعة التي تقدر ببل وألف الاستفهام ، أي بل أيقولون . وهي تدل على خروج من حديث إلى حديث ؛ فإنه عز وجل أثبت أنه تنزيل من رب العالمين ، وأن ذلك مما لا ريب فيه ، ثم أضرب عن ذلك إلى قوله : " أم يقولون افتراه " أي افتعله واختلقه . " بل هو الحق من ربك " كذبهم في دعوى الافتراء " لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون " قال قتادة : يعني قريشا ، كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير من قبل محمد صلى الله عليه وسلم . و " لتنذر " متعلق بما قبلها فلا يوقف على " من ربك " . ويجوز أن يتعلق بمحذوف . التقدير : أنزله لتنذر قوما ، فيجوز الوقف على " من ربك " . و " ما " " ما أتاهم " نفي . " من نذير " صلة . و " نذير " في محل الرفع ، وهو المعلم المخوف . وقيل : المراد بالقوم أهل الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام . قاله ابن عباس ومقاتل . وقيل : كانت الحجة ثابتة لله جل وعز عليهم بإنذار من تقدم من الرسل وإن لم يروا رسولا ؛ وقد تقدم هذا المعنى{[12636]} .


[12636]:راجع ج 6 ص 121.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۚ بَلۡ هُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (3)

{ أم يقولون } الضمير لقريش و{ أم } بمعنى بل والهمزة .

{ لتنذر } يتعلق بما قبله أو بمحذوف .

{ ما أتاهم من نذير } : يعني من الفترة من زمن عيسى وقد جاء الرسل قبل ذلك إبراهيم وغيره ، ولما طالت الفترة على هؤلاء أرسل الله رسولا ينذرهم ليقيم الحجة عليهم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۚ بَلۡ هُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (3)

ولما كان هذا{[54454]} الذي قدمه أول السورة على هذا الوجه برهاناً ساطعاً ودليلاً قاطعاً على أن هذا{[54455]} الكتاب من عند الله ، كان - كما حكاه البغوي{[54456]} والرازي في اللوامع - كأنه قيل : هل آمنوا به ؟ { أم يقولون } مع ذلك الذي لا يمترئ{[54457]} فيه عاقل { افتراه } أي تعمد كذبه .

ولما كان الجواب : إنهم ليقولون : افتراه ، وكان جوابه{[54458]} : ليس هو مفتري لما هو مقارن له من الإعجاز ، ترتب عليه قوله : { بل هو الحق } أي الثابت ثباتاً لا يضاهيه ثبات شيء من الكتب قبله ، كائناً { من ربك } المحسن إليك بإنزاله وإحكامه ، وخصه بالخطاب إشارة إلى{[54459]} أنه لا يفهم حقيقته حق الفهم سواه .

ولما ذكر سبحانه إحسانه إليه صلى الله عليه وسلم صريحاً ، أشار بتعليله إلى إحسانه به{[54460]} أيضاً إلى كافة العرب ، فقال مفرداً النذارة لأن المقام {[54461]}له بمقتضى{[54462]} ختم لقمان : { لتنذر قوماً } أي ذوي{[54463]} قوة جلد ومنعة وصلاحية للقيام بما أمرهم به { ما أتاهم من نذير } أي رسول في هذه الأزمان القريبة لقول ابن عباس رضي الله عنهما{[54464]} ان المراد الفترة ، ويؤيده إثبات الجار في قوله : { من قبلك } أي بالفعل شاهدوه أو شاهده آباؤهم . وإما بالمعنى والقوة فقد كان فيهم دين إبراهيم عليه السلام إلى أن غيّره عمرو بن لحي ، وكلهم كان يعرف ذلك وأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يعبد صنماً ولا استقسم بالأزلام ، وذلك {[54465]}كما قال{[54466]} تعالى : وإن من أمة إلا خلا فيها نذير }{[54467]}[ فاطر : 24 ] أي شريعته ودينه ، والنذير ليس مخصوصاً بمن باشر - نبه على ذلك أبو حيان{[54468]} . ويمكن{[54469]} أن يقال : ما أتاهم من ينذرهم على خصوص ما غيروا من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وأما إسماعيل ابنه عليه السلام فكان{[54470]} بشيراً لا نذيراً ، لأنهم ما خالفوه ، وأحسن من ذلك كله ما نقله البغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل أن ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه قد نقل عيسى عليه السلام لما أرسل رسله{[54471]} إلى الآفاق أرسل إلى العرب رسولاً .

ولما ذكر علة الإنزال ، أتبعها علة الإنذار فقال : { لعلهم يهتدون* } أي ليكون حالهم في مجاري العادات حال من ترجى هدايته إلى كمال الشريعة ، وأما التوحيد فلا عذر لأحد فيه بما{[54472]} أقامه الله من حجة العقل مع ما أبقته الرسل عليهم الصلاة والسلام آدم فمن بعده من واضح النقل بآثار دعواتهم{[54473]} وبقايا دلالاتهم{[54474]} ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن أبيه : " أبي وأبوك في النار{[54475]} " وقال : " لا تفتخروا بآبائكم الذين مضوا في الجاهلية فوالذي نفسي بيده لما تدحرج الجعل خير منهم{[54476]} " في غير هذا من الأخبار القاضية بأن كل من مات قبل دعوته على الشرك فهو للنار{[54477]}


[54454]:زيد من ظ.
[54455]:زيد من ظ.
[54456]:راجع معالم التنزيل بهامش لباب التأويل 5/183.
[54457]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لا يجتري.
[54458]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الجواب.
[54459]:سقط من ظ.
[54460]:زيد من ظ وم ومد.
[54461]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لما يقتضي.
[54462]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لما يقتضي.
[54463]:في ظ: ذي.
[54464]:راجع معالم التنزيل بهامش لباب التأويل 5/183.
[54465]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: قوله.
[54466]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: قوله.
[54467]:سورة 35 آية 24.
[54468]:راجع البحر المحيط 7/197.
[54469]:زيد في الأصل: لما، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[54470]:في ظ وم ومد: فقد كان.
[54471]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: رسوله.
[54472]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مما.
[54473]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: دعواهم.
[54474]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: دلالتهم.
[54475]:راجع مسالك الحنفاء للسيوطي 15، وأصل الرواية عند مسلم.
[54476]:راجع مسند الإمام أحمد 1/301.
[54477]:بهامش م: رواه الطيالسي عن ابن عباس رضي الله عنهما.