الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

قوله تعالى : " يعلم خائنة الأعين " قال المؤرج : فيه تقديم وتأخير أي يعلم الأعين الخائنة وقال ابن عباس : هو الرجل يكون جالسا مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها . وعنه : هو الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره ، فإذا رأى منهم غفلة تدسس بالنظر ، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره ، وقد علم الله عز وجل منه أنه يود لو نظر إلى عورتها . وقال مجاهد : هي مسارقة نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه . وقال قتادة : هي الهمزة بعينه وإغماضه فيما لا يحب الله تعالى . وقال الضحاك : هي قول الإنسان ما رأيت وقد رأى أو رأيت وما رأى . وقال السدي : إنها الرمز بالعين . وقال سفيان : هي النظرة بعد النظرة . وقال الفراء : " خائنة الأعين " النظرة الثانية " وما تخفي الصدور " النظرة الأولى . وقال ابن عباس : " وما تخفي الصدور " أي هل يزني بها لو خلا بها أو لا . وقيل : " وما تخفي الصدور " تكنه وتضمره . ولما جيء بعبد الله بن أبي سرح{[13366]} إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد ما اطمأن أهل مكة وطلب له الأمان عثمان رضي الله عنه ، صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال : " نعم " فلما انصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله : ( ما صمتُّ إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه ) فقال رجل من الأنصار فهلا أومأت إلي يا رسول الله ، فقال : ( إن النبي لا تكون له خائنة أعين ) .


[13366]:عبد الله بن أبي سرح: كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد ولحق بالمشركين، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله يوم فتح مكة. راجع قصته في ج 7 ص 40 طبعة أولى أو ثانية.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

{ يعلم خائنة الأعين } أي : استراق النظر والخائنة مصدر بمعنى الخيانة أو وصف للنظرة وهذا الكلام متصل بما تقدم من ذكر الله واعتراض في أثناء ذلك بوصف القيامة لما استطرد إليه من قوله : { لينذر يوم التلاق } [ غافر : 15 ] .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

ولما كانت الشفاعة إنما تقع وتنفع بشرط براءة المشفوع له من الذنب إما بالاعتراف بما نسب إليه والإقلاع عنه ، وإما بالاعتذار عنه ، وكان ذلك إنما يجري عند المخلوقين على الظاهر ، ولذلك كانوا ربما وقع لهم الغلط فيمن لو علموا باطنه لما قبلوا الشفاعة فيه ، علل تعالى ما تقدم بعلمه أن المشفوع له ليس بأهل لقبول الشفاعة فيه لإحاطة علمه فقال : { يعلم خائنة } ولما كان السياق هنا للابلاغ في أن علمه تعالى محيط بكل كلي وجزئي ، فكان من المعلوم أن الحال يقتضي جمع الكثرة ، وأنه ما عدل عنه إلى جمع القلة إلا للاشارة إلى أن علمه تعالى بالكثير كعلمه بالقليل الكل ، عليه هين ، فالكثير عنده في ذلك قليل فلذا قال : { الأعين } أي خيانتها التي هي أخفى ما يقع من أفعال الظاهر ، جعل الخيانة مبالغة في الوصف وهي الإشارة بالعين ، قال أبو حيان : من كسرجفن وغمز ونظر يفهم منه ما يراد - انتهى .

وذلك يفعل بفعل ما يخالف الظاهر ، ولما ذكر أخفى أفعال الظاهر ، أتبعه أخفى ما في الباطن فقال : { وما تخفي الصدور * } أي عن المشفوع عنده وغير ذلك .