الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ٱلَّذِينَ يَسۡتَحِبُّونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ} (3)

قوله تعالى : " الذين يستحبون الحياة الدنيا " أي يختارونها على الآخرة ، والكافرون يفعلون ذلك . ف " الذين " في موضع خفض صفة لهم . وقيل : في موضع رفع خبر ابتداء مضمر ، أي هم الذين ، وقيل : " الذين يستحبون " مبتدأ وخبره . " أولئك " . وكل من آثر الدنيا وزهرتها ، واستحب البقاء في نعيمها على النعيم في الآخرة ، وصد عن سبيل الله - أي صرف الناس عنه وهو دين الله ، الذي جاءت به الرسل ، في قول ابن عباس وغيره - فهو داخل في هذه الآية ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون ) وهو حديث صحيح . وما أكثر ما هم في هذه الأزمان ، والله المستعان . وقيل : " يستحبون " أي يلتمسون الدنيا من غير وجهها ؛ لأن نعمة الله لا تلتمس إلا بطاعته دون معصيته . " ويبغونها عوجا " أي يطلبون لها زيغا وميلا لموافقة أهوائهم ، وقضاء حاجاتهم وأغراضهم . والسبيل تذكر وتؤنث . والعِوج بكسر العين في الدين والأمر والأرض ، وفي كل ما لم يكن قائما ، وبفتح العين في كل ما كان قائما ، كالحائط والرمح ونحوه ، وقد تقدم في " آل عمران " {[9446]} وغيرها . " أولئك في ضلال بعيد " أي ذهاب عن الحق بعيد عنه .


[9446]:راجع ج 4 ص 154.