الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمۡ سَكَنٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ بُيُوتٗا تَسۡتَخِفُّونَهَا يَوۡمَ ظَعۡنِكُمۡ وَيَوۡمَ إِقَامَتِكُمۡ وَمِنۡ أَصۡوَافِهَا وَأَوۡبَارِهَا وَأَشۡعَارِهَآ أَثَٰثٗا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٖ} (80)

{ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين }

فيه عشر{[9995]} مسائل :

الأولى : قوله تعالى : " جعل لكم " ، معناه : صير . وكل ما علاك فأظلك فهو سقف وسماء ، وكل ما أقلك فهو أرض ، وكل ما سترك من جهاتك الأربع فهو جدار ، فإذا انتظمت واتصلت فهو بيت . وهذه الآية فيها تعديد نعم الله تعالى على الناس في البيوت ، فذكر أولا بيوت المدن وهي التي للإقامة الطويلة . وقوله : " سكنا " ، أي : تسكنون فيها وتهدأ جوارحكم من الحركة ، وقد تتحرك فيه وتسكن في غيره ، إلا أن القول خرج على الغالب . وعد هذا في جملة النعم ، فإنه لو شاء خلق العبد مضطربا أبدا كالأفلاك لكان ذلك كما خلق وأراد ، لو خلقه ساكنا كالأرض لكان كما خلق وأراد ، ولكنه أوجده خلقا يتصرف للوجهين ، ويختلف حاله بين الحالتين ، وَرَدَّدَهُ بَيْنَ كيفَ وأينَ . والسكن مصدر يوصف به الواحد والجمع . ثم ذكر تعالى بيوت النقلة والرحلة وهي :

الثانية : فقال : " وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها " ، أي : من الأنطاع والأدم . " بيوتا " ، يعني : الخيام والقباب يخف عليكم حملها في الأسفار . " يوم ظعنكم " ، الظعن : سير البادية في الانتجاع{[9996]} والتحول من موضع إلى موضع ، ومنه قول عنترة :

ظَعَنَ الذين فراقُهم أتَوَقَّعُ *** وجَرَى بَيْنَهم الغراب الأَبْقَعُ

والظعن الهودج أيضا ، قال :

ألا هل هاجَك الأظعانُ إذ بانوا *** وإذ جادت بِوَشْكِ البينِ غِرْبَانُ

وقرئ بإسكان العين وفتحها كالشعر والشعر . وقيل : يحتمل أن يعم بيوت الأدم وبيوت الشعر وبيوت الصوف ؛ لأن هذه من الجلود لكونها نابتة فيها ، نحا إلى ذلك ابن سلام . وهو احتمال حسن ، ويكون قوله : " ومن أصوافها " ، ابتداء كلام ، كأنه قال : جعل أثاثا ، يريد الملابس والوطاء ، وغير ذلك ، قال الشاعر :

أَهَاجَتْكَ الظَّعَائِنُ يوم بَانوا *** بذي الزِّيِّ الجميل من الأثاث

ويحتمل أن يريد بقوله : " من جلود الأنعام " ، بيوت الأدم فقط كما قدمناه أولا . ويكون قوله : " ومن أصوافها " ، عطفا على قوله : " من جلود الأنعام " ، أي : جعل بيوتا أيضا . قال ابن العربي : وهذا أمر انتشر في تلك الديار ، وعريت عنه بلادنا ، فلا تضرب الأخبية عندنا إلا من الكتان والصوف ، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم قبة من أدم ، وناهيك من أدم الطائف غلاء في القيمة ، واعتلاء في الصنعة ، وحسنا في البشرة ، ولم يعد ذلك صلى الله عليه وسلم ترفا ولا رآه سرفا ؛ لأنه مما امتن الله سبحانه من نعمته وأذن فيه من متاعه ، وظهرت وجوه منفعته في الاكتنان والاستظلال الذي لا يقدر على الخروج عنه جنس الإنسان . ومن غريب ما جرى أني زرت بعض المتزهدين من الغافلين مع بعض المحدثين ، فدخلنا عليه في خباء كتان ، فعرض عليه صاحبي المحدث أن يحمله إلى منزله ضيفا ، وقال : إن هذا موضع يكثر فيه الحر ، والبيت أرفق بك وأطيب لنفسي فيك ، فقال : هذا الخباء لنا كثير ، وكان في صنعنا من الحقير ، فقلت : ليس كما زعمت ، فقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو رئيس الزهاد ، قبة من أدم طائفي ، يسافر معها ويستظل بها ، فبهت ، ورأيته على منزلة من العي ، فتركته مع صاحبي وخرجت عنه .

الثالثة : قوله تعالى : " ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها " ، أذن الله سبحانه بالانتفاع بصوف الغنم ووبر الإبل وشعر المعز ، كما أذن في الأعظم ، وهو ذبحها وأكل لحومها ، ولم يذكر القطن والكتان ؛ لأنه لم يكن في بلاد العرب المخاطبين به ، وإنما عدد عليهم ما أنعم به عليهم ، وخوطبوا فيما عرفوا بما فهموا . وما قام مقام هذه وناب منابها فيدخل في الاستعمال والنعمة مدخلها ، وهذا كقوله تعالى : " وينزل من السماء من جبال فيها من برد{[9997]} " [ النور : 43 ] ؛ فخاطبهم بالبرد لأنهم كانوا يعرفون نزوله كثيرا عندهم ، وسكت عن ذكر الثلج ؛ لأنه لم يكن في بلادهم ، وهو مثله في الصفة والمنفعة ، وقد ذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم معا في التطهير ، فقال : ( اللهم اغسلني بماء وثلج وبرد ) . قال ابن عباس : الثلج : شيء أبيض ينزل من السماء وما رأيته قط . وقيل : إن ترك ذكر القطن والكتان إنما كان إعراضا عن الترف ؛ إذ ملبس عباد الله الصالحين إنما هو الصوف . وهذا فيه نظر ، فإنه سبحانه يقول : " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم " ، حسبما تقدم بيانه في " الأعراف " {[9998]} [ الأعراف : 26 ] ، وقال هنا : " وجعل لكم سرابيل " ، فأشار إلى القطن والكتان في لفظة " سرابيل " ، والله أعلم . و " أثاثا " ، قال الخليل : متاعا منضما بعضه إلى بعض ، من أث : إذا كثر . قال :

وفرعٍ يزين المَتْنَ أسودَ فاحِمٍ *** أثيثٍ كقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ{[9999]}

ابن عباس : " أثاثا " : ثيابا .

وتضمنت هذه الآية جواز الانتفاع بالأصواف والأوبار والأشعار على كل حال ، ولذلك قال أصحابنا : صوف الميتة وشعرها طاهر يجوز الانتفاع به على كل حال ، ويغسل مخافة أن يكون علق به وسخ ، وكذلك روت أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا بأس بجلد الميتة إذا دبغ ، وصوفها وشعرها إذا غسل ){[10000]} ؛ لأنه مما لا يحله الموت ، سواء كان شعر ما يؤكل لحمه أو لا ، كشعر ابن آدم والخنزير ، فإنه طاهر كله ، وبه قال أبو حنيفة ، ولكنه زاد علينا فقال : القرن والسن والعظم مثل الشعر ، قال : لأن هذه الأشياء كلها لا روح فيها ، لا تنجس بموت الحيوان . وقال الحسن البصري والليث بن سعد والأوزاعي : إن الشعور كلها نجسة ، ولكنها تطهر بالغسل . وعن الشافعي ثلاث روايات : الأولى : طاهرة لا تنجس بالموت . الثانية : تنجس . الثالثة : الفرق بين شعر ابن آدم وغيره ، فشعر ابن آدم طاهر وما عداه نجس . ودليلنا عموم قوله تعالى : " ومن أصوافها " ، الآية . فمن علينا بأن جعل لنا الانتفاع بها ، ولم يخص شعر الميتة من المذكاة ، فهو عموم ، إلا أن يمنع منه دليل . وأيضا فإن الأصل كونها طاهرة قبل الموت بإجماع ، فمن زعم أنه انتقل إلى نجاسة فعليه الدليل . فإن قيل قوله : " حرمت عليكم الميتة{[10001]} " [ المائدة : 3 ] ، وذلك عبارة عن الجملة . قلنا : نخصه بما ذكرنا ؛ فإنه منصوص عليه في ذكر الصوف ، وليس في آيتكم ذكره صريحا ، فكان دليلنا أولى . والله أعلم .

وقد عول الشيخ الإمام أبو إسحاق إمام الشافعية ببغداد على أن الشعر جزء متصل بالحيوان خِلقة ، فهو ينمي بنمائه ويتنجس بموته كسائر الأجزاء . وأجيب بأن الماء ليس بدليل على الحياة ؛ لأن النبات ينمى وليس بحي . وإذا عولوا على النماء المتصل لما على الحيوان عولنا نحن على الإبانة التي تدل على عدم الإحساس الذي يدل على عدم الحياة . وأما ما ذكره الحنفيون في العظم والسن والقرن أنه مثل الشعر ، فالمشهور عندنا أن ذلك نجس كاللحم . وقال ابن وهب مثل قول أبي حنيفة . ولنا قول ثالث : هل تلحق أطراف القرون والأظلاف بأصولها أو بالشعر ، قولان . وكذلك الشعريّ من الريش حكمه حكم الشعر ، والعظمي منه حكمه حكمُه . ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تنتفعوا من الميتة بشيء ) ، وهذا عام فيها وفي كل جزء منها ، إلا ما قام دليله ، ومن الدليل القاطع على ذلك قوله تعالى : " قال من يحيي العظام وهي رميم{[10002]} " [ يس : 78 ] ، وقال تعالى : " وانظر إلى العظام كيف ننشزها{[10003]} " [ البقرة : 259 ] ، وقال : " فكسونا العظام لحما{[10004]} " [ المؤمنون : 14 ] ، وقال : " أئذا كنا عظاما نخرة{[10005]} " [ النازعات : 11 ] ، فالأصل هي العظام ، والروح والحياة فيها كما في اللحم والجلد . وفي حديث عبدالله بن عكيم : ( لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ) . فإن قيل : قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شاة ميمونة : ( ألا انتفعتم بجلدها ) ؟ فقالوا : يا رسول الله ، إنها ميتة . فقال : ( إنما حرم أكلها ) ، والعظم لا يؤكل . قلنا : العظم يؤكل ، وخاصة عظم الحمل{[10006]} الرضيع ، والجدي والطير ، وعظم الكبير يشوى ويؤكل . وما ذكرناه قبل يدل على وجود الحياة فيه ، وما كان طاهرا بالحياة ويستباح بالذكاة ينجس بالموت . والله أعلم .

الرابعة : قوله تعالى : " من جلود الأنعام " ، عام في جلد الحي والميت ، فيجوز الانتفاع بجلود الميتة وإن لم تدبغ ، وبه قال ابن شهاب الزهري والليث بن سعد . قال الطحاوي : لم نجد عن أحد من الفقهاء جواز بيع جلد الميتة قبل الدباغ إلا عن الليث . قال أبو عمر : يعني من الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار بعد التابعين ، وأما ابن شهاب فذلك عنه صحيح ، وهو قول أباه جمهور أهل العلم . وقد روي عنهما خلاف هذا القول ، والأول أشهر .

قلت : قد ذكر الدارقطني في سننه حديث يحيى بن أيوب عن يونس وعقيل عن الزهري ، وحديث بقية عن الزبيدي ، وحديث محمد بن كثير العبدي وأبي سلمة المنقري عن سليمان بن كثير عن الزهري ، وقال في آخرها : هذه أسانيد صحاح .

السادسة : اختلف العلماء في جلد الميتة إذا دبغ هل يطهر أم لا ، فذكر ابن عبدالحكم عن مالك ما يشبه مذهب ابن شهاب في ذلك . وذكره ابن خويز منداد في كتابه عن ابن عبد الحكم أيضا . قال ابن خويز منداد : وهو قول الزهري والليث . قال : والظاهر من مذهب مالك ما ذكره ابن عبد الحكم ، وهو أن الدباغ لا يطهر جلد الميتة ، ولكن يبيح الانتفاع به في الأشياء اليابسة ، ولا يصلى عليه ولا يؤكل فيه . وفي المدونة لابن القاسم : من اغتصب جلد ميتة غير مدبوغ فأتلفه كان عليه قيمته . وحكى أن ذلك قول مالك . وذكر أبو الفرج أن مالكا قال : من اغتصب لرجل جلد ميتة غير مدبوغ فلا شيء عليه . قال إسماعيل : إلا أن يكون لمجوسي . وروى ابن وهب ، وابن عبد الحكم عن مالك جواز بيعه ، وهذا في جلد كل ميتة إلا الخنزير وحده ؛ لأن الزكاة لا تعمل فيه ، فالدباغ أولى . قال أبو عمر : وكل جلد ذكي فجائز استعماله للوضوء وغيره . وكان مالك يكره الوضوء في إناء جلد الميتة بعد الدباغ على اختلاف من قوله ، ومرة قال : إنه لم يكرهه إلا في خاصة نفسه ، وتكره الصلاة عليه وبيعه ، وتابعه على ذلك جماعة من أصحابه . وأما أكثر المدنيين فعلى إباحة ذلك وإجازته ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ) . وعلى هذا أكثر أهل الحجاز والعراق من أهل الفقه والحديث ، وهو اختيار ابن وهب .

السابعة : ذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إلى أنه لا يجوز الانتفاع بجلود الميتة في شيء وإن دبغت ؛ لأنها كلحم الميتة . والأخبار بالانتفاع بعد الدباغ ترد قوله . واحتج بحديث عبد الله بن عكيم - رواه أبو داود - قال : قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض جهينة وأنا غلام شاب : ( ألا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ) . وفي رواية : قبل موته بشهر{[10007]} . رواه القاسم بن مخيمرة ، عن عبد الله بن عكيم ، قال : حدثنا مشيخة لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليهم . . قال داود بن علي : سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث ، فضعفه وقال : ليس بشيء ، إنما يقول حدثني الأشياخ ، قال أبو عمر : ولو كان ثابتا لاحتمل أن يكون مخالفا للأحاديث المروية عن ابن عباس وعائشة وسلمة بن المحبق وغيرهم ، لأنه جائز أن يكون معنى حديث ابن عكيم ( ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ) قبل الدباغ ، وإذا احتمل ألا يكون مخالفا فليس لنا أن نجعله مخالفا ، وعلينا أن نستعمل الخبرين ما أمكن ، وحديث عبد الله بن عكيم وإن كان قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بشهر كما جاء في الخبر ، فيمكن أن تكون قصة ميمونة وسماع ابن عباس منه ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ) قبل موته بجمعة أو دون جمعة ، والله أعلم .

الثامنة : المشهور عندنا أن جلد الخنزير لا يدخل في الحديث ولا يتناوله العموم ، وكذلك الكلب عند الشافعي . وعند الأوزاعي وأبي ثور : لا يطهر بالدباغ إلا جلد ما يؤكل لحمه . وروى معن بن عيسى ، عن مالك أنه سئل عن جلد الخنزير إذا دبغ فكرهه . قال ابن وضاح : وسمعت سحنونا يقول : لا بأس به ، وكذلك قال محمد بن عبد الحكم ، وداود بن علي وأصحابه ؛ لقوله عليه السلام : ( أيما مسك{[10008]} دبغ فقد طهر ) . قال أبو عمر : يحتمل أن يكون أراد بهذا القول عموم الجلود المعهود الانتفاع بها ، فأما الخنزير فلم يدخل في المعنى ؛ لأنه غير معهود الانتفاع بجلده ، إذ لا تعمل فيه الذكاة . ودليل آخر ، وهو ما قاله النضر بن شميل : إن الإهاب جلد البقر والغنم والإبل ، وما عداه فإنما يقال له : جلد لا إهاب .

قلت : وجلد الكلب ، وما لا يؤكل لحمه أيضا ، غير معهود الانتفاع به فلا يطهر ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أكل كل ذي ناب من السباع حرام ) فليست الذكاة فيها ذكاة ، كما أنها ليست في الخنزير ذكاة . وروى النسائي ، عن المقدام بن معد يكرب قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير ، والذهب ، ومياثر النمور ){[10009]}

التاسعة : اختلف الفقهاء في الدباغ التي تطهر به جلود الميتة ما هو ؟ فقال أصحاب مالك ، وهو المشهور من مذهبه : كل شيء دبغ الجلد من ملح أو قرظ أو شب ، أو غير ذلك ، فقد جاز الانتفاع به . وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه ، وهو قول داود . وللشافعي في هذه المسألة قولان : أحدهما : هذا ، والآخر : أنه لا يطهر إلا الشب والقرظ ؛ لأنه الدباغ المعهود على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وعليه خرج الخطابي - والله أعلم - ما رواه النسائي ، عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من قريش يجرون شاة لهم مثل الحصان ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو أخذتم إهابها ) قالوا . إنها ميتة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يطهرها الماء والقرظ ) .

العاشرة : قوله تعالى : " أثاثا " ، الأثاث : متاع البيت ، واحدها أثاثة ، هذا قول أبي زيد الأنصاري . وقال الأموي : الأثاث : متاع البيت ، وجمعه آثة وأثث . وقال غيرهما : الأثاث : جميع أنواع المال ، ولا واحد له من لفظه . وقال الخليل : أصله من الكثرة ، واجتماع بعض المتاع إلى بعض حتى يكثر ، ومنه شعر أثيث ، أي : كثير . وأث شعر فلان يأث أثا ، إذا كثر والتف ، قال امرؤ القيس :

وفرعٍ يزينُ المَتْنَ أسودَ فاحمٍ *** أثيثٍ كقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ

وقيل : الأثاث : ما يلبس ويفترش . وقد تأثثت : إذا اتخذت أثاثا . وعن ابن عباس رضي الله عنه : " أثاثا " : مالا . وقد تقدم القول في الحين{[10010]} ، وهو هنا وقت غير معين بحسب كل إنسان ، إما بموته ، وإما بفقد تلك الأشياء التي هي أثاث . ومن هذه اللفظة قول الشاعر :

أهَاجَتْكَ الظعائنُ يوم بَانُوا *** بذي الزِّيّ الجميل من الأثاث


[9995]:اضطربت الأصول في عد هذه المسائل.
[9996]:النجعة والانتجاع: طلب الكلأ ومساقط الغيث.
[9997]:راجع ج 12 ص 289.
[9998]:راجع ج 7 ص 182.
[9999]:البيت من معلقة امرئ القيس. والفرع: الشعر التام. والمتن والمتنة: ما عن يمين الصلب وشماله من العصب واللحم. والفاحم: الشديد السواد. والقنو (بالكسر والضم): العذق وهو الشمراخ. والمتعثكل: الذي قد دخل بعضه في بعض لكثرته.
[10000]:والحديث المشهور "أيها إهاب دبغ فقد طهر" رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.
[10001]:راجع ج 6 ص 47.
[10002]:راجع ج 15 ص 58.
[10003]:راجع ج 3 ص 288.
[10004]:راجع ج 12 ص 108.
[10005]:راجع ج 19 ص 188.
[10006]:في ا، ج، ح، و: الجمل.
[10007]:لفظة "بشهر" ساقطة من سنن أبي داود.
[10008]:المسك (بالفتح وسكون السين): الجلد. وخص بعضهم به جلد السخلة، ثم كثر حتى صار كل جلد مسكا، والجمع مسك ومسوك.
[10009]:أي عن أن تفرش جلودها على السرج والرحال للجلوس عليها لما فيه من التكبر، أو لأنه زي العجم، أو لأن الشعر نجس لا يقبل الدباغ. (عن شرح سنن النسائي). المياثر: جلود محشوة تجعل على الرحل.
[10010]:راجع ج 1 ص 321 و ج 9 ص 360 فما بعد.