فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمۡ سَكَنٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ بُيُوتٗا تَسۡتَخِفُّونَهَا يَوۡمَ ظَعۡنِكُمۡ وَيَوۡمَ إِقَامَتِكُمۡ وَمِنۡ أَصۡوَافِهَا وَأَوۡبَارِهَا وَأَشۡعَارِهَآ أَثَٰثٗا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٖ} (80)

{ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ( 80 ) }

{ وَاللّهُ جَعَلَ } ، أي : صير أو خلق ، { لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ } ، التي هي من الحجر والمدر وغيرهما ، و " من " : ابتدائية ، { سَكَنًا } ، مصدر يوصف به الواحد والجمع ، وإليه ذهب ابن عطية ، ومنعه الشيخ ، ولم يذكر وجه المنع ، وهو بمعنى مسكون ، أي : تسكنون فيها ، وتهدأ جوارحكم من الحركة . وهذا من جملة تعديد الله نعمه على الإنسان ، فإن الله سبحانه لو شاء لخلق العبد مضطربا دائما كالأفلاك ، ولو شاء لخلقه ساكنا أبدا كالأرض .

{ وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا } ، لما ذكر سبحانه بيوت المدن ، وهي التي للإقامة الطويلة ، عقبها بذكر بيوت البادية والرحلة ، وهي الأنطاع والأدم ، جعلها بيوتا كالخيام والقباب والأخبية والفساطين ، قال مجاهد : وهي خيام العرب . وقيل : ذلك في بعض الناس ، كالسودان ، فإنهم يتخذون خيامهم من الجلود ، ويجوز أن يتناول المتخذة من الصوف والوبر والشعر ، فإنها من حيث إنها نابتة على جلودها يصدق عليها أنها من جلودها .

{ تَسْتَخِفُّونَهَا } ، أي : يخف عليكم حملها في الأسفار وغيرها ؛ ولهذا قال : { يَوْمَ ظَعْنِكُمْ } ، أي : في يوم سيركم ورحيلكم في أسفاركم ، والظعن : بفتح العين وسكونها ، وهما لغتان قرئ بهما ، كالنهر والنهر ، وهو سير أهل البادية للانتجاع والتحول من موضع إلى موضع . والظعن : الهودج أيضا ، قال ابن عباس : بعض بيوت السيارة بنيانه في ساعة .

{ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ } ، أي : حضركم ، والمعنى : لا يثقل عليكم حملها في الحالين . { وَ } جعل لكم { مِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا } ، والأنعام تعم الإبل والبقر والغنم ، كما تقدم ، والأصواف للغنم ، والأوبار للإبل ، والأشعار للمعز ، وهي من جملة الغنم ، فيكون ذكر هذه الثلاثة على وجه التنويع ، كل واحد مهما لواحد من الثلاثة ، أعني : الإبل ونوعي الغنم ، ولم يذكر القطن والكتان ؛ لأنهما لا يكونان ببلاد العرب .

{ أَثَاثًا } : هو متاع البيت ، وأصله الكثرة والاجتماع ، ومنه شعر أثيث ، أي : كثير مجتمع ، يقال : أث ، أي : كثر وتكاثف ، وقيل للمال أثاث : إذا كثر ، قال الخليل : أثاثا ، أي : منضما بعضها إلى بعض ، من أث : إذا كثر . قال الفراء : لا واحد له . { وَمَتَاعًا } : هو ما يتمتع به بأنواع التمتع ، قال الخليل : الأثاث والمتاع واحد ، وجمع بينهما لاختلاف لفظيهما . وعلى قول أبي زيد الأنصاري أن الأثاث المال أجمع ، الإبل والغنم والعبيد ، والمتاع يكون عطف المتاع على الأثاث ، من عطف الخاص على العام .

وقيل : إن الأثاث ما يكتسي به الإنسان ويستعمله من الغطاء والوطاء ، والمتاع : ما يفرش في المنازل من الفرش والأكسية ويتزين به ، ومعنى : { إِلَى حِينٍ } : إلى أن تقضوا أوطاركم منه ، أو إلى أن يبلى ويفنى ، أو إلى الموت ، أو إلى القيامة .