الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمۡ سَكَنٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ بُيُوتٗا تَسۡتَخِفُّونَهَا يَوۡمَ ظَعۡنِكُمۡ وَيَوۡمَ إِقَامَتِكُمۡ وَمِنۡ أَصۡوَافِهَا وَأَوۡبَارِهَا وَأَشۡعَارِهَآ أَثَٰثٗا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٖ} (80)

و{ يَوْمَ ظَعْنِكُمْ } [ النحل : 80 ] ، معناه : رَحِيلكم ، والأصواف : للضأنِ ، والأوبار : للإِبل ، «والأشعار » : للمعز ، ولم تكُنْ بلادهم بلادَ قُطْن وَكَّتانٍ ؛ فلذلك اقتصَرَ على هذه ، ويحتملُ أنَّ تَرْكَ ذكْر القُطْن والكَتَّانِ والحرير إعراضٌ عن السَّرَف ؛ إذ ملْبَسُ عبادِ اللَّهِ الصالحينَ إِنما هو الصُّوف .

قال ابن العربيِّ في «أحكامه » عند قوله تعالى : { لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ } [ النحل : 5 ] : في هذه الآية دليلٌ على لبَاسِ الصُّوفِ ، فهو أوَّل ذلك وأولاه ؛ لأنه شِعارُ المتقين ، ولباسُ الصالحين ، وإشَارَةُ الصَّحابة والتابعين ، واختيار الزُّهَّاد والعارفين ، وإِليه نُسِبَ جماعةٌ من النَّاس «الصُّوفِيَّةُ » ؛ لأنه لباسُهم في الغالِب . انتهى .

«والأثاث » : متاعُ البَيْت ، واحِدُها أَثَاثَة ، هذا قول أبي زَيْد الأنْصَارِيِّ ، وقال غيره : «الأثَاثُ » : جميع أنواعِ المالِ ، ولا واحدَ له من لفظه .

قال ( ع ) : والاشتقاق يقوي هذا المعنى الأعمَّ ؛ لأنَّ حالَ الإِنسان تَكُونُ بالمال أثِيثَةً ؛ كما تقول : شَعْرٌ أثِيثٌ ، ونَبَاتٌ أَثِيثٌ ، إذَا كَثُر والْتَفّ ،