الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{كِلۡتَا ٱلۡجَنَّتَيۡنِ ءَاتَتۡ أُكُلَهَا وَلَمۡ تَظۡلِم مِّنۡهُ شَيۡـٔٗاۚ وَفَجَّرۡنَا خِلَٰلَهُمَا نَهَرٗا} (33)

قوله تعالى : " كلتا الجنتين " أي كل واحدة من الجنتين ، واختلف في لفظ " كلتا وكلا " هل هو مفرد أو مثنى ، فقال أهل البصرة : هو مفرد ؛ لأن كلا وكلتا في توكيد الاثنين نظير " كل " في المجموع ، وهو اسم مفرد غير مثنى ، فإذا ولي اسما{[10530]} ظاهرا كان في الرفع والنصب والخفض على حالة واحدة ، تقول : رأيت كلا الرجلين وجاءني كلا الرجلين ومررت بكلا الرجلين ، فإذا اتصل بمضمر قلبت الألف ياء في موضع الجر والنصب ، تقول : رأيت كليهما ومررت بكليهما ، كما تقول عليهما . وقال الفراء : هو مثنى ، وهو مأخوذ من كل فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية . وكذلك كلتا للمؤنث ، ولا يكونان إلا مضافين ولا يتكلم بواحد ، ولو تكلم به لقيل : كِلْ وكِلْتَ وكِلان وكِلْتَان . واحتج بقول الشاعر :

في كِلْتِ رجليْهَا سُلاَمَى{[10531]} واحدَهْ *** كلتاهما مقرونةٌ بزائدهْ

أراد في إحدى رجليها فأفرد . وهذا القول ضعيف عند أهل البصرة ، لأنه لو كان مثنى لوجب أن تكون ألفه في النصب والجر ياء مع الاسم الظاهر ، ولأن معنى " كلا " مخالف لمعنى " كل " لأن " كلا " للإحاطة و " كلا " يدل على شيء مخصوص ، وأما هذا الشاعر فإما حذف الألف للضرورة وقدر أنها زائدة ، وما يكون ضرورة لا يجوز أن يجعل حجة ، فثبت أنه اسم مفرد كمِعَى ، إلا أنه وضع ليدل على التثنية ، كما أن قولهم " نحن " اسم مفرد يدل على اثنين فما فوقهما ، يدل على ذلك قول جرير :

كِلاَ يومي أمَامَة يومَ صَدٍّ{[10532]} *** وإن لم نأتها إلا لِمَامَا

فأخبر عن " كلا " بيوم مفرد ، كما أفرد الخبر بقوله " آتت " ولو كان مثنى لقال آتتا ، ويوما . واختلف أيضا في ألف " كلتا " ، فقال سيبويه : ألف " وكلتا " للتأنيث والتاء بدل من لام الفعل وهي واو والأصل كلوا ، وإنما أبدلت تاء لأن في التاء علم التأنيث ، والألف " في كلتا " قد تصير ياء مع المضمر فتخرج عن علم التأنيث ، فصار في إبدال الواو تاء تأكيد للتأنيث . وقال أبو عمر الجرمي : التاء ملحقة والألف لام الفعل ، وتقديرها عنده : فعتل ، ولو كان الأمر على ما زعم الجرمي : التاء ملحقة والألف لام الفعل ، وتقديرها عنده : فِعْتَلٌ ، ولو كان الأمر على ما زعم لقالوا في النسبة إليها كِلْتَوِيٌ ، فلما قالوا : كِلَوِيّ وأسقطوا التاء دل على أنهم أجروها مجرى التاء في أخت إذا نسبت إليها قلت أخوي ؛ ذكره الجوهري . قال أبو جعفر النحاس : وأجاز النحويون في غير القرآن الحمل على المعنى ، وأن تقول : كلتا الجنتين آتتا أكلهما ، لأن المعنى المختار{[10533]} كلتاهما آتتا . وأجاز الفراء : كلتا الجنتين آتى أكله ، قال : لأن المعنى كل الجنتين . قال : وفي قراءة عبدالله " كل الجنتين أتى أكله " . والمعنى على هذا عند الفراء : كل شيء من الجنتين آتي أكله . والأكل ( بضم الهمزة ) ثمر النخل والشجر . وكل ما يؤكل فهو أكل ، ومنه قوله تعالى : " أكلها دائم " {[10534]} [ الرعد : 35 ] وقد تقدم . " آتت أكلها " تاما ولذلك لم يقل آتتا . " ولم تظلم منه شيئا " أي لم تنقص .

قوله تعالى : " وفجرنا خلالهما نهرا " أي أجرينا وشققنا وسط الجنتين بنهر .


[10530]:كذا في الأصول والصحاح للجوهري وقد نقله عنه صاحب اللسان. وكان الأولى أن يقال: "فإذا وليه اسم ظاهر . . .".
[10531]:السلامى كحبارى: عظام الأصابع في اليد والقدم.
[10532]:كذا في الأصول واللسان مادة "كلا". في ديوانه المطبوع: "يوم صدق". والبيت من قصيدة مطلعها: ألا حي المنازل والخياما *** وسكنا طال فيها ما أقاما
[10533]:في جـ: الجنتان كلتاهما.
[10534]:راجع جـ 9 ص 324.