إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{كِلۡتَا ٱلۡجَنَّتَيۡنِ ءَاتَتۡ أُكُلَهَا وَلَمۡ تَظۡلِم مِّنۡهُ شَيۡـٔٗاۚ وَفَجَّرۡنَا خِلَٰلَهُمَا نَهَرٗا} (33)

{ كِلْتَا الجنتين آتت أُكُلَهَا } ثمرَها وبلغت مبلغاً صالحاً للأكل ، وقرئ بسكون الكاف ، وقرئ كلُّ الجنتين آتى أكُلَه { وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ } لم تنقُص من أُكُلها { شَيْئاً } كما يعهد ذلك في سائر البساتينِ فإن الثمارَ غالباً تكثُر في عام وتقِلُّ في آخر ، وكذا بعضُ الأشجارِ يأتي بالثمر في بعض الأعوامِ دون بعض { وَفَجَّرْنَا خلالهما } فيما بين كلَ من الجنتين { نَهَراً } على حِدَة ليدوم شربُهما ويزيد بهاؤهما ، وقرئ بالتخفيف ولعل تأخير ذكر تفجيرِ النهر عن ذكر إيتاءِ الأكلِ مع أن الترتيب الخارجيَّ على العكس للإيذان باستقلال كلَ من إيتاء الأكل وتفجيرِ النهر في تكميل محاسنِ الجنتين كما في قصة البقرة ونحوها ، ولو عُكس لا نفهم أن المجموعَ خَصلةٌ واحدة بعضُها مترتبٌ على بعض فإن إيتاءَ الأكلِ متفرِّعٌ على السقْي عادةً ، وفيه إيماءٌ إلى أن إيتاء الأكلِ لا يتوقف على السقي كقوله تعالى : { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } .