معاني القرآن للفراء - الفراء  
{كِلۡتَا ٱلۡجَنَّتَيۡنِ ءَاتَتۡ أُكُلَهَا وَلَمۡ تَظۡلِم مِّنۡهُ شَيۡـٔٗاۚ وَفَجَّرۡنَا خِلَٰلَهُمَا نَهَرٗا} (33)

وقوله : { كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها 33 } ولم يقل : آتتا . وذلك أن ( كلتا ) ثنتان لا يُفرد واحدتهما ، وأصله كُلّ كما تقول للثلاثة : كلّ : فكان القضاء أن يكون للثنتين ما كان للجمع ، لا أن يفرد للواحدة شيء فجاز توحيده 104 ب على مذهب كلّ . وتأنيثُه جائز للتأنيث الذي ظهر في كِلْتا . وكذلك فافعل بكلتا وكِلاَ وكُلّ إذا أضفتهنّ إلى مَعرفة وجاء الفعل بعدهن ، فاجمع ووحِّد . من التوحيد قوله { وكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْداً } ومن الجمع { وكُلٌّ أَتَوهُ دَاخِرِين } و ( آتوه ) مثله . وهو كثير في القرآن وَسائر الكلام . قال الشاعر :

وكلتاهما قد خُطّ لي في صَحيفتي *** فلا العَيْشُ أهواه ولا الموت أرْوح

وقد تفرِد العرب إحدى كلتا وهم يذهبون بإفرادها إلى اثنتيها ، أنشدني بعضهم .

في كِلت رجليها سُلاَمَى واحده *** كلتاهما مقرونة بزائده

يريد بكلت كلتا .

والعرب تفعَل ذلك أيضاً في ( أي ) فيؤنثونَ ويذكِّرونَ ، والمعنى التأنيث ، من ذلكَ قول الله تبارك وتعالىَ { وَما تَدْرِى نَفْسٌ بِأي أَرْضٍ تَمُوتُ } ويجوز في الكلام بأيَّة أرض . ومثله { في أي صُورة } يجوز في الكلام في أيَّة صورة . وقال الشاعر :

بأي بلاء أمْ بأيَّة نعمة *** يقدَّم قبلي مُسلم والمُهَلَّب

ويجوز أيّتهُما قال ذاك . وقالت ذاكَ أجود . فتذكّر وقد أدخلت الهاء ، تتوهّم أنّ الهاء سَاقطة إذا جاز للتأنيث { بأي أرضٍ تَمُوتُ } وكذلك يجوز أن تقول للاثنتين : كلاهما وكلتاهما قال الشاعر :

كلا عقِبيه قد تشعّبَ رَأسُها *** من الضرب في جَنْبَيْ ثَفَالٍ مباشر

الثفال : البعير البطئ .

فإن قال قائل : إنما استجزتَ توحيد ( كلتا ) لأن الواحد منهما لا يُفرد فهل تجيز : الاثنتان قام وتوحّد ، وَالاثنان قام إذْ لم يفرَد له واحد ؟

قلت : إن الاثنين بُنيا على واحد ولم يُبن ( كِلاَ ) على واحد ، ألا ترى أن قولك : قام عبدُ الله كلُّه خطأ ، وأنك تجد معنى الاثنين على واحد كمعنى الثلاثة وزيادات العدد ، ولا يجوز إلا أن تقول : الاثنان قاما والاثنتان قامَتَا .

وهي في قراءة عبد الله .

كُلّ الجنتين آتى أُكُله *** . . .

ومعناه كلّ شيء من ثمر الجنتين آتى أكله . ولو أراد جمع الثنتين ولم يرد كل الثمر لم يجز إلاَّ كلتاهما ، ألا تَرَى أنك لا تقول : قامت المرأتان كلهما ، لأن ( كل ) لا تصلح لإحدى المرأتين وتصلح لإحدى الجنَّتين . فقِس على هاتين كل ما يتبعِّض مما يقسم أوْ لا يُقسْم .

وقوله { وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً } يقال : كيف جَاز التَّشديد وإنما النهر واحد ؟ قلت : لأن النهر يمتدّ حتى صار التفجر كأنه فيه كلّه فالتخفيف فيه والتثقيل جائزان . ومثله { حتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً } يثقّل ويخفّف .