الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَلَوۡلَآ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

قوله تعالى : " ولولا أن تصيبهم " يريد قريشا . وقيل : اليهود " مصيبة " أي عقوبة ونقمة " بما قدمت أيديهم " من الكفر والمعاصي وخص الأيدي بالذكر ؛ لأن الغالب من الكسب إنما يقع بها وجواب " لولا " محذوف أي لولا أن يصيبهم عذاب بسبب معاصيهم المتقدمة " فيقولوا ربنا لولا " أي هلا " أرسلت إلينا رسولا " لما بعثنا الرسل . وقيل : لعاجلناهم بالعقوبة وبعث الرسل إزاحة لعذر الكفار كما تقدم في " الإسراء " وآخر " طه " . " فنتبع آياتك " نصب على جواب التخصيص " ونكون " عطف عليه " من المؤمنين " من المصدقين وقد احتج بهذه الآية من قال : إن العقل يوجب الإيمان والشكر ؛ لأنه قال : " بما قدمت أيديهم " وذلك موجب للعقاب إذا تقرر الوجوب قبل بعثه الرسل ، وإنما يكون ذلك بالعقل . قال القشيري : والصحيح أن المحذوف لو لا كذا لما احتيج إلى تجديد الرسل أي هؤلاء الكفار غير معذورين إذ بلغتهم الشرائع السابقة والدعاء إلى التوحيد ، ولكن تطاول العهد ، فلو عذبناهم فقد يقول قائل منهم طال العهد بالرسل ، ويظن أن ذلك عذر ولا عذر لهم بعد أن بلغهم خبر الرسل ، ولكن أكملنا إزاحة العذر ، وأكملنا البيان فبعثناك يا محمد إليهم وقد حكم الله بأنه لا يعاقب عبدا إلا بعد إكمال البيان والحجة وبعثة الرسل