الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَوۡلَآ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

قوله : { وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم } : هي الامتناعيةُ . وأنْ وما في حَيِّزها في موضعِ رفعٍ بالابتداءِ . أي : ولولا إصابتُهم المصيبةَ . وجوابُها محذوفٌ فقدَّره الزجاج : " ما أرْسَلْنا إليهم رُسُلاً " يعني : أنَّ الحاملَ على إرسالِ الرسلِ إزاحةُ عِلَلِهم بهذا القولِ فهو كقولِه : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } [ النساء : 165 ] . وقدَّره ابنُ عطية : " لعاجَلْناهم " ولا معنى لهذا .

و " فَيَقولوا " عطفٌ [ على ] " تُصيبَهم " ، و " لولا " الثانيةُ تحضيضٌ و " فنَتَّبِعَ " جوابُه ، فلذلك نُصِبَ بإضمار " أَنْ " . قال الزمخشري : " فإن قلتَ : كيف استقامَ هذا المعنى ، وقد جُعِلَتْ العقوبةُ هي السببية لا القولُ ؛ لدخولِ حرفِ الامتناعِ عليه دونَه ؟ قلت : القولُ هو المقصودُ بأَنْ يكونَ سبباً للإِرسال ولكنَّ العقوبةَ لَمَّا كانت هي السببَ للقولِ ، وكان وجودُه بوجودِها جُعِلَتِ العقوبةُ كأنها سببٌ للإِرسالِ بواسطة القولِ فَأُدْخلَتْ عليها " لولا " . وجيْءَ بالقول معطوفاً عليها بالفاءِ المُعْطِيَةِ معنى السببية ، ويَؤُول معناه إلى قولِك : " ولولا قولُهم هذا إذا أصابَتْهم مصيبةٌ لَمَا أَرْسَلْنا " ولكن اخْتِيْرَتْ هذه الطريقةُ لنُكتةٍ : وهي أنهم لو لم يُعاقَبوا مثلاً على كفرِهم وقد عاينوا ما أُلْجِئوا به إلى العلمِ اليقين لم يقولوا : لولا أَرْسَلْتَ إلينا رسولاً ، وإنما السببُ في قولِهم هذا هو العقابُ لا غيرَ ، لا التأسُّفُ على ما فاتهم من الإِيمان بخالِقهم " .